وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُكَافِئَ بِأَقَلَّ مِمَّا وَهَبَ لَهُ مِنْهُ مَعَ قَوْلِهِ: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ} [التغابن: ١٧] الْآيَةَ. قَالَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الظُّلَامَاتِ وَالتَّبَعَاتِ فَيُحَلَّلُ مِنْ التَّبَعَاتِ لِأَنَّ الظُّلَامَاتِ عُقُوبَةٌ لِفَاعِلِهَا أَخْذًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} [الشورى: ٤٢] الْآيَةَ. وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَالْعَفْوُ عَنْ الظَّالِمِ أَوْلَى مِنْ الِاقْتِصَاصِ مِنْهُ انْتَهَى. وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي ضَمْضَمَ السَّابِقُ أَنَّ الْعَفْوَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُ الرَّوْضَةِ السَّابِقُ مَعْنَاهُ لَا أَطْلُبُ مَظْلِمَتِي لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَقَدْ حَثَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْإِغْرَاءِ عَلَى مِثْلِ فِعْلِ أَبِي ضَمْضَمَ بِقَوْلِهِ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ كَأَبِي ضَمْضَمَ كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يَقُولُ إنِّي تَصَدَّقْت بِعِرْضِي عَلَى النَّاسِ» .
[الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ وَشَتْمُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ]
(الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ: بُغْضُ الْأَنْصَارِ وَشَتْمُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -) أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مِنْ عَلَامَةِ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ، وَمِنْ عَلَامَةِ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ» . وَالشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْأَنْصَارِ: لَا يُحِبُّهُمْ إلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُهُمْ إلَّا مُنَافِقٌ، مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ» . وَمُسْلِمٌ: «لَا يُبْغِضُ الْأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» . قَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ نَصَرَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَدِينَهُ وَهُمْ بَاقُونَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمُعَادَاتُهُمْ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ انْتَهَى، وَدَعْوَاهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ لِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ فَوَاضِحَةٌ وَإِلَّا قَالَ إنَّمَا هِيَ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَلَا مَعْهُودَ بِهَذَا الْوَصْفِ غَيْرُ الْأَنْصَارِ الَّذِينَ هُمْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ.
وَالشَّيْخَانِ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» . وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي؛ فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute