مَحَاسِنَهَا الظَّاهِرَةَ وَالشَّوْقَ وَالْمَحَبَّةَ مِنْ غَيْرِ فُحْشٍ وَلَا رِيبَةَ لَا يَقْدَحُ فِي قَائِلِهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ خِلَافٌ، وَمِنْ ذَلِكَ تَوَارَدَ الشُّعَرَاءُ عَلَى ذِكْرِ لَيْلَى وَسُعْدَى وَدَعْدٍ وَهِنْدٍ وَسَلْمَى وَلُبْنَى، وَكَيْفَ وَقَدْ أَنْشَدَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَبْتُولٌ
وَفِيهَا مِنْ الْأَشْعَارِ كُلُّ بَدِيعٍ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَمِعُ فَلَا يُنْكِرُ مِنْهَا شَيْئًا. وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَتَهُ وَابْنَةَ عَمِّهِ وَطَالَتْ غَيْبَتُهُ عَنْهَا فِي هَرَبِهِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا يُنْكِرُ الْحَسَنَ مِنْ الشِّعْرِ أَحَدٌ مِنْ أُولِي الْعِلْمِ وَلَا مِنْ أُولِي النُّهَى، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَمَوَاضِعِ الْقُدْوَةِ إلَّا وَقَدْ قَالَ الشَّعْرَ أَوْ تَمَثَّلَ بِهِ أَوْ سَمِعَهُ فَرَضِيَهُ مَا كَانَ حِكْمَةً أَوْ مُبَاحًا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ فُحْشٌ وَلَا خَنَا وَلَا لِمُسْلِمٍ أَذًى.
؛ وَكَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَحَدُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ الْعَشَرَةِ ثُمَّ الْمَشْيَخَةُ السَّبْعَةُ شَاعِرًا مُجِيدًا انْتَهَى. وَفِي الْإِحْيَاءِ فِي التَّشْبِيبِ بِنَحْوِ وَصْفِ الْخُدُودِ وَالْأَصْدَاغِ وَسَائِرِ أَوْصَافِ النِّسَاءِ نَظَرٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ نَظْمُهُ وَلَا إنْشَادُهُ بِصَوْتٍ وَغَيْرِ صَوْتٍ، وَعَلَى الْمُسْتَمِعِ أَنْ لَا يُنْزِلَهُ عَلَى امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَإِنْ نَزَّلَهُ عَلَى حَلِيلَتِهِ جَازَ أَوْ غَيْرِهَا فَهُوَ الْعَاصِي بِالتَّنْزِيلِ، وَمَنْ هَذَا وَصْفُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَجَنَّبَ السَّمَاعَ. انْتَهَى.
[الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ الشِّعْرُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى هَجْوِ الْمُسْلِمِ]
(الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ: الشِّعْرُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى هَجْوِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ بِصِدْقٍ، وَكَذَا إنْ اشْتَمَلَ عَلَى فُحْشٍ أَوْ كَذِبٍ فَاحِشٍ وَإِنْشَادِ هَذَا الْهَجْوِ وَإِذَاعَتِهِ) وَعَدُّ هَذِهِ كَبَائِرَ هُوَ مَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الْجُرْجَانِيِّ فِي شَافِيهِ: وَلَا تُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ يُنْشِدُ الشِّعْرَ وَيُنْشِئُهُ مَا لَمْ يَكُنْ هَجْوَ مُسْلِمٍ أَوْ فُحْشًا أَوْ كَذِبًا فَاحِشًا انْتَهَى؛ أَيْ فَإِنْ كَانَ هَجْوَ مُسْلِمٍ أَوْ فُحْشًا أَوْ كَذِبًا فَاحِشًا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ لِغَيْرِ نَحْوِ خَرْمِ الْمُرُوءَةِ وَالتُّهْمَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْفِسْقِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَا خَرْمُ مُرُوءَةٍ وَلَا نَحْوُهُ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الرَّدَّ هُنَا إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِسْقًا، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ هَجْوَ الْمُسْلِمِ فِسْقٌ الْعِمْرَانِيُّ فِي الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: إنْ هَجَا مُسْلِمًا فَسَقَ أَوْ ذِمِّيًّا فَلَا بَأْسَ، وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: أَمَّا إذَا آذَى فِي شَعْرِهِ بِأَنْ هَجَا الْمُسْلِمِينَ أَوْ رَجُلًا مُسْلِمًا فَسَقَ بِهِ لِأَنَّ إيذَاءَ الْمُسْلِمِ مُحَرَّمٌ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَهَذَا إذَا كَثُرَ وَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدِي اهـ. وَكَأَنَّ الشَّيْخَيْنِ تَبِعَاهُ حَيْثُ أَطْلَقَا رَدَّ الشَّهَادَةَ بِالْهَجْوِ سَوَاءٌ أَصَدَقَ أَمْ كَذَبَ، وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ فِي تَصْحِيحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute