للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِنْهَاجِ: لَا يَلْزَمُ مِنْ رَدِّ الشَّهَادَةِ التَّحْرِيمُ: فَقَدْ يَكُونُ الرَّدُّ لِخَرْمِ الْمُرُوءَةِ - رَدَّهُ تِلْمِيذُهُ أَبُو زُرْعَةَ - بِأَنْ لَا خَرْمَ فِيهِ قَالَ: وَإِنَّمَا سَبَبُ رَدِّهَا التَّحْرِيمُ، أَيْ وَإِذَا كَانَ سَبَبُ رَدِّهَا التَّحْرِيمَ لَزِمَهُ كَوْنُهُ كَبِيرَةً إذْ الصَّغِيرَةُ لَا تَقْتَضِي رَدَّ الشَّهَادَةِ، فَتَعَيَّنَ كَوْنُ ذَلِكَ كَبِيرَةً، وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو زُرْعَةَ يُنْظَرُ فِي قَوْلِ شَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا - سَقَى اللَّهُ مَهْدَهُ -: قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ فَإِنْ هَجَا فِي شِعْرِهِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا هَجَا بِمَا يَفْسُقُ بِهِ كَأَنْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَلَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ بِقَرِينَةِ مَا ذَكَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ.

وَوَجْهُ التَّنْظِيرِ فِيهِ أَنَّهُ إذَا أَكْثَرَ مِنْهُ فَسَقَ كَمَا مَرَّ عَنْ الرُّويَانِيِّ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُكْثِرْ كَمَا مَرَّ عَنْ اخْتِيَارِ الرُّويَانِيِّ، وَإِذَا فَسَقَ بِالْإِكْثَارِ لَزِمَ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَارْتِكَابُ الْكَبِيرَةِ مُفَسِّقٌ وَإِنْ غَلَبَتْ الطَّاعَاتُ الْمَعَاصِيَ، وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ غَلَبَةِ الطَّاعَاتِ وَغَلَبَةِ الْمَعَاصِي إنَّمَا هُوَ عِنْدَ ارْتِكَابِ الصَّغَائِرِ، أَمَّا عِنْدَ ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ فَيَفْسُقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا، وَصَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ مَا مَرَّ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْإِكْثَارِ، فَقَالَ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ رَدُّ الشَّهَادَةِ بِمُطْلَقِ الْهَجْوِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، لَكِنْ اغْتَفَرَ الدَّارِمِيُّ يَسِيرَهُ وَهُوَ مُقْتَضَى تَقْيِيدِهِ الْأُمَّ بِالْإِكْثَارِ وَهُوَ الصَّوَابُ. اهـ.

وَلَخَصَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ شَيْخِهِ الْأَذْرَعِيِّ: إطْلَاقُ رَدِّ الشَّهَادَةِ بِالْهَجْوِ بَعِيدٌ إذْ النَّظْمُ كَالنَّثْرِ، وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ أَنَّ الشَّاعِرَ حَيْثُ لَمْ يَمْدَحْ بِالْكَذِبِ وَلَمْ يَذُمَّ بِهِ إلَّا يَسِيرًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْأُمِّ: وَمَنْ أَكْثَرَ الْوَقِيعَةَ فِي النَّاسِ عَلَى الْغَضَبِ أَوْ الْحِرْمَانِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ فِيهِ ظَاهِرًا كَثِيرًا مُسْتَعْلِنًا كَذِبًا مَحْضًا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِالْوَجْهَيْنِ وَبِأَحَدِهِمَا لَوْ انْفَرَدَ هَذَا نَصُّهُ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ إنْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ عُرِفَ بِهِ أَوْ هَجَا بِمَا يَفْسُقُ بِهِ لِكَوْنِ التَّلَفُّظِ بِهِ كَبِيرَةً رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَا مَحَالَةَ، أَمَّا لَوْ لَمْ يُكْثِرْ وَلَمْ يُعْرَفْ بِهِ وَلَا كَانَ التَّلَفُّظُ بِهِ كَبِيرَةً فَلَا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْغِيبَةُ كَبِيرَةٌ أَوْ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ شَيْئًا مُؤْذِيًا يُحْفَظُ عَنْهُ وَيُنْشَدُ كُلَّ وَقْتٍ فَيَتَأَذَّى بِهِ الْمَهْجُوُّ وَوَلَدُهُ، فَهَذَا مُحْتَمَلٌ بِخِلَافِ النَّثْرِ؛ لِأَنَّ النَّظْمَ يُحْفَظُ وَيَعْلَقُ بِالْأَذْهَانِ وَيُعَاوَدُ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: الشِّعْرُ يُحْفَظُ نَظْمُهُ فَيَسِيرُ وَيَبْقَى عَلَى الْأَعْصَارِ وَالدُّهُورِ بِخِلَافِ النَّثْرِ.

وَفِيهِ أَيْضًا أَمَّا إذَا آذَى فِي شِعْرِهِ بِأَنْ هَجَا الْمُسْلِمِينَ أَوْ رَجُلًا مُسْلِمًا فَسَقَ بِهِ؛ لِأَنَّ إيذَاءَ الْمُسْلِمِ مُحَرَّمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا إذَا أَكْثَرَ وَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدِي. اهـ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ مُلَخَّصًا، وَقَالَ أَيْضًا: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ حُرْمَةُ إنْشَاءِ الْهَجْوِ وَالتَّشْبِيبِ الْمُحَرَّمِ كَمَا يَحْرُمُ إنْشَاؤُهُمَا وَلَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ وَلَقَدْ أَحْسَنَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>