حَيْثُ قَالَ: ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ التَّشْبِيبَ بِامْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا بِالْإِفْرَاطِ فِي وَصْفِهَا مُحَرَّمٌ، وَهَذَا إنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى قَائِلِهِ فَصَحِيحٌ. وَأَمَّا عَلَى رَاوِيهِ فَلَا يَصِحُّ فَإِنَّ الْمَغَازِيَ رُوِيَ فِيهَا قَصَائِدُ الْكُفَّارِ الَّتِي هَجَوْا فِيهَا الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ أَحَدٌ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ فِي الشِّعْرِ الَّذِي تَقَاوَلَتْ بِهِ الشُّعَرَاءُ فِي يَوْمِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَغَيْرِهِمَا إلَّا قَصِيدَةَ ابْنِ أَبِي الصَّلْتِ الْحَائِيَّةِ، وَقَدْ سَمِعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصِيدَةَ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَرْوُونَ أَمْثَالَ هَذَا وَلَا يُنْكِرُ. اهـ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا شَكَّ فِيمَا قَالَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فُحْشٌ وَلَا أَذًى لِحَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ تَدْعُ حَاجَةٌ إلَيْهِ، وَقَدْ ذَمَّ الْعُلَمَاءُ جَرِيرًا وَالْفَرَزْدَقَ فِي تَهَاجِيهِمَا وَلَمْ يَذُمُّوا مَنْ اسْتَشْهَدَ بِذَلِكَ عَلَى إعْرَابٍ وَغَيْرِهِ مِنْ عِلْمِ الْبَيَانِ. وَيَجِبُ حَمْلُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ عَادَةُ أَهْلِ اللَّعِبِ وَالْبَطَالَةِ، وَعَلَى إنْشَادِ شَعْرِ شُعَرَاءِ الْعَصْرِ إذَا كَانَ إنْشَاؤُهُ حَرَامًا. إذْ لَيْسَ فِيهِ أَذًى أَوْ وَقِيعَةٌ فِي الْأَحْيَاءِ أَوْ إسَاءَةُ الْأَحْيَاءِ فِي أَمْوَاتِهِمْ أَوْ ذِكْرُ مَسَاوِئِ الْأَمْوَاتِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَيْسُوا مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ فِي لُغَةٍ وَلَا غَيْرِهَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّفَكُّهُ بِالْأَعْرَاضِ. اهـ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيضُ هَجْوًا كَالتَّصْرِيحِ وَقَدْ يَزِيدُ بَعْضُ التَّعْرِيضِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَاسْتَحْسَنَ الْأَذْرَعِيُّ قَوْلَهُ وَقَدْ يَزِيدُ إلَخْ وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَقَوْلُ ابْنِ كَجٍّ لَيْسَ التَّعْرِيضُ هَجْوًا ضَعِيفٌ. وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته قَوْلَ الْحَلِيمِيِّ وَكُلُّ مَا حَرُمَ التَّصْرِيحُ بِهِ لِعَيْنِهِ فَالتَّعْرِيضُ بِهِ حَرَامٌ أَيْضًا وَمَا حَرُمَ لَا لِعَيْنِهِ بَلْ لِعَارِضٍ فَالتَّعْرِيضُ بِهِ جَائِزٌ كَخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ، وَأَمَّا قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ مَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ أَقْيَسُ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا التَّعْرِيضَ فِي بَابِ الْقَذْفِ مُلْحَقًا بِالْكِنَايَةِ فَكَيْفَ يَلْتَحِقُ بِالتَّصْرِيحِ، فَيُرَدُّ بِأَنَّ هَذَا خِلَافُ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي عَدَمِ الْإِلْحَاقِ فِي الْحَدِّ، وَكَلَامُنَا إنَّمَا هُوَ فِي الْحُرْمَةِ وَلِكُلٍّ مَلْحَظٌ وَمَدْرَكٌ فَلَا يُقَاسُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَقَدْ مَرَّ فِي مَبْحَثِ الْقَذْفِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ إثْمُ حَاكِي الْهَجْوِ كَإِثْمِ مُنْشِدِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إذَا اسْتَوَيَا أَمَّا إذَا أَنْشَأَهُ وَلَمْ يُذِعْهُ فَأَذَاعَهُ الْحَاكِي فَإِثْمُهُ أَشَدُّ بِلَا شَكٍّ. اهـ.
وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ مِنْ أَنَّ الصَّادِقَ فِي الْهَجْوِ كَالْكَاذِبِ فِيهِ، فَقَالَ قَضِيَّةُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الشِّعْرَ كَلَامٌ حَسَنُهُ كَحَسَنِهِ وَقَبِيحُهُ كَقَبِيحِهِ أَنَّهُ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute