وَصَحَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ وَاهِيًا: «الدَّيْنُ رَايَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَذِلَّ عَبْدًا وَضَعَهُ فِي عُنُقِهِ» .
تَنْبِيهٌ: عَدُّ ذَيْنِك كَبِيرَتَيْنِ هُوَ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ صَرِيحُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ أَنَّهُ يَلْقَى اللَّهَ سَارِقًا. وَالْحَدِيثَانِ يَشْمَلَانِ ذَيْنِك. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَوَاضِحٌ وَأَمَّا الثَّانِي: فَكَذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «خَدَعَهُ حَتَّى أَخَذَ مَالَهُ» ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ أَخَذَ دَيْنًا لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً مِنْ جِهَةِ ظَاهِرِهِ وَالدَّائِنُ جَاهِلٌ بِحَالِهِ فَقَدْ خَدَعَ الْآخِذَ مِنْهُ حَتَّى أَعْطَاهُ مَالَهُ، إذْ لَوْلَا خَدِيعَتُهُ لَهُ لَمْ يُعْطِهِ لَهُ، وَجَمِيعُ التَّغْلِيظَاتِ فِي الدَّيْنِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا يَنْبَغِي حَمْلُهَا عَلَى إحْدَى هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَتْهُمَا فِي التَّرْجَمَةِ أَوْ عَلَى مَا لَوْ اسْتَدَانَهُ لِيَصْرِفَهُ فِي مَعْصِيَةٍ وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ كَالْإِعَانَةِ وَالْقَضَاءِ عَنْهُ وَغَيْرِهِمَا يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا لَوْ اسْتَدَانَهُ فِي طَاعَةٍ نَاوِيًا أَدَاءَهُ وَلَهُ وَجِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يُؤَدِّي مِنْهَا أَوْ وَالدَّائِنُ عَالِمٌ بِحَالِهِ، وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْته وَإِنْ لَمْ أَرَهُ تَجْتَمِعُ الْأَحَادِيثُ وَيَزُولُ مَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُهَا مِنْ التَّعَارُضِ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْ فِيهَا عَلَى نَحْوِ مَا قَرَّرْته، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.
[الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ مَطْلُ الْغَنِيِّ بَعْدَ مُطَالَبَتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ]
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَالْأَرْبَعَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُتْبِعَ» : أَيْ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أُحِيلَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَتَشْدِيدُ الْمُحَدِّثِينَ التَّاءَ خَطَأٌ «أَحَدُكُمْ عَلَيَّ مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» . وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ: «لَيُّ الْوَاجِدِ» : أَيْ مَطْلُ الْقَادِرِ عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ «يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» : أَيْ يُبِيحُ أَنْ يُذْكَرَ بَيْنَ النَّاسِ بِالْمَطْلِ وَسُوءِ الْمُعَامَلَةِ لَا غَيْرِهِمَا، إذْ الْمَظْلُومُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَذْكُرَ ظَالِمَهُ إلَّا بِالنَّوْعِ الَّذِي ظَلَمَهُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَيُبِيحُ أَيْضًا عُقُوبَتَهُ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ وَغَيْرِهِمَا. وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ فِيهِ مَنْ وُثِّقَ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْمُتَابَعَاتِ: «إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْغَنِيَّ الظَّلُومَ، وَالشَّيْخَ الْجَهُولَ، وَالْعَائِلَ الْمُخْتَالَ» : أَيْ الْفَقِيرَ الْمُتَكَبِّرَ. وَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ أَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَكَذَا النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ: «مَا قَدَّسَ اللَّهُ أُمَّةً لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute