[كِتَابُ الْجِنَايَاتِ] [الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ قَتْلُ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ الْمَعْصُومِ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ]
ِ (الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ: قَتْلُ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ الْمَعْصُومِ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ) قَالَ - تَعَالَى -: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} [الفرقان: ٦٨] أَيْ قَتْلَ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَمَا بَعْدَهُ وَمَا قَبْلَهُ {يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: ٦٨] {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: ٦٩] {إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: ٧٠] وَقَالَ - تَعَالَى -: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢] اخْتَلَفُوا فِي مُتَعَلَّقِ " مِنْ أَجْلِ " وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ " كَتَبْنَا " وَذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى قَتْلِ ابْنِ آدَمَ لِأَخِيهِ، وَالْأَجْلُ فِي الْأَصْلِ الْجِنَايَةُ، يُقَالُ أَجَلَ الْأَمْرَ أَجْلًا وَإِجْلًا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا: إذَا جَنَاهُ وَحْدَهُ، فَمَعْنَى فَعَلْته مِنْ أَجَلِك أَوْ لِأَجْلِك: أَيْ بِسَبَبِك لِأَنَّك جَنَيْت فِعْلَهُ وَأَوْجَبْته، وَكَذَا فَعَلْته مِنْ جَرَّاك وَجَرَّائِك: أَيْ مِنْ أَنْ جَرَرْته ثُمَّ صَارَ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى السَّبَبِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «مِنْ جَرَّايَ مِنْ أَجْلِي» وَمِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ: أَيْ نَشَأَ الْكَتْبُ وَابْتُدِئَ مِنْ جِنَايَةِ الْقَتْلِ.
وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ مَا بَعْدَ مِنْ أَجْلِ وَهُوَ كَتْبُ الْقِصَاصِ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَمَا قَبْلَهَا وَهُوَ قِصَّةُ قَابِيلَ وَهَابِيلَ مَا قَالَهُ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ أَنَّهُمَا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ لَا وَلَدُ آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصُلْبِهِ. وَعَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهُمَا وَلَدَاهُ لِصُلْبِهِ، فَالْإِشَارَةُ لَيْسَتْ لِمُجَرَّدِ قَتْلِ قَابِيلَ لِهَابِيلَ بَلْ لِمَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِ الْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: ٣٠] أَيْ حَصَلَ لَهُ خَسَارَةُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، قَوْله تَعَالَى: {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة: ٣١] أَيْ حَصَلَ لَهُ أَنْوَاعُ النَّدَمِ وَالْحَسْرَةِ وَالْحُزْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِدَ دَافِعًا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنْهُ وَهَكَذَا كُلُّ قَاتِلٍ ظُلْمًا فَيَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ الْخَسَارُ وَالنَّدَمُ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute