للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُفْهَمُ مَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَذْهَبِهِمْ وَمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، إذْ لَنَا شَيْءٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ هُوَ ذَاتُ الْحَقِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَهَذَا هُوَ مَفْهُومُ الْآيَةِ، فَأَيُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ تُفْهِمُ غَيْرَ هَذَا، عَلَى أَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ ضَعِيفَةٌ جِدًّا لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي حُجِّيَّتِهَا فِي الظَّنِّيَّاتِ فَمَا بَالُك بِهَا فِي الْقَطْعِيَّاتِ، وَمِنْ لَطَائِفِ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ الدَّلَالَةُ عَلَى جَلَالَتِهِ، وَإِفْهَامِهِ الْمَعَانِيَ الْغَامِضَةَ، الْقِرَاءَةُ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ هُنَا وَبِالرَّفْعِ وَحْدَهُ فِيمَا يَلِيهِ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ إذْ لَوْ نُصِبَ لَفَسَدَ الْمَعْنَى إذْ التَّقْدِيرُ فَعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ فِي الزُّبُرِ وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ.

إذْ فِيهِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ لَمْ تَفْعَلُوهَا، وَأَمَّا الرَّفْعُ فَمَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ بِكَوْنِهِمْ فَعَلُوهُ ثَابِتٌ فِي الزُّبُرِ وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَاقِعٌ.

قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: قَدَّرَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْأَشْيَاءَ: أَيْ عَلِمَ مَقَادِيرَهَا وَأَحْوَالَهَا وَأَزْمَانَهَا وَسَائِرَ مَا سَتُوجَدُ عَلَيْهِ قَبْلَ وُجُودِهَا ثُمَّ أَوْجَدَ مِنْهَا مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ عَلَى مَا فِي عِلْمِهِ فَلَا يَحْدُثُ شَيْءٌ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ إلَّا وَهُوَ صَادِرٌ عَنْ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَإِرَادَتِهِ فَقَطْ، وَلَيْسَ لِلْخَلْقِ فِي تِلْكَ الْأَنْوَاعِ اكْتِسَابٌ وَمُحَاوَلَةٌ وَنِسْبَةٌ مَا، وَإِضَافَةٌ، وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إنَّمَا حَصَلَ لَهُمْ بِتَيْسِيرِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، وَإِلْهَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَلَا خَالِقَ غَيْرُهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، لَا كَمَا افْتَرَاهُ الْقَدَرِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَنَّ الْأَعْمَالَ إلَيْنَا وَالْآجَالَ بِيَدِ غَيْرِنَا.

وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ: «وَلَمَّا قِيلَ يَا مُحَمَّدُ يَكْتُبُ عَلَيْنَا الذَّنْبَ وَيُعَذِّبُنَا بِهِ؟ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْتُمْ خُصَمَاءُ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ مَجُوسَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُكَذِّبُونَ بِقَدَرِ اللَّهِ إنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ، وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ، وَإِنْ لَقِيتُمُوهُمْ فَلَا تُسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ» .

وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَيْسَ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ نَصِيبٌ: أَهْلُ الْإِرْجَاءِ وَالْقَدَرِ» ، وَسَتَأْتِي بَقِيَّةُ طُرُقِهِ، وَالْأَوَّلُ هُمْ الْمُرْجِئَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الْكُفْرِ طَاعَةٌ؛ وَسُمِّيَتْ الْقَدَرِيَّةُ خُصَمَاءَ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ يُخَاصِمُونَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدِّرَ الْمَعْصِيَةَ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يُعَذِّبَهُ عَلَيْهَا.

وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا جَمَعَ اللَّهُ الْخَلَائِقَ يَوْمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>