وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ» ، فَأَتَى بِالِاسْتِطَاعَةِ فِي جَانِبِ الْمَأْمُورَاتِ وَلَمْ يَأْتِ بِهَا فِي جَانِب الْمَنْهِيَّاتِ إشَارَةً إلَى عَظِيمِ خَطَرِهَا وَقَبِيحِ وَقْعِهَا، وَأَنَّهُ يَجِبُ بَذْلُ الْجَهْدِ وَالْوُسْعِ فِي الْمُبَاعَدَةِ عَنْهَا سَوَاءٌ اسْتَطَاعَ ذَلِكَ أَمْ لَا، بِخِلَافِ الْمَأْمُورَاتِ فَإِنَّ الْعَجْزَ لَهُ مَدْخَلٌ فِيهَا تَرْكًا وَغَيْرَهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بِقَدْرِ مَا يَصْغُرُ الذَّنْبُ عِنْدَك يَعْظُمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَبِقَدْرِ مَا يَعْظُمُ عِنْدَك يَصْغُرُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَى مُوسَى: يَا مُوسَى أَوَّلُ مَنْ مَاتَ، أَيْ هَلَكَ وَخَسِرَ مِنْ خَلْقِي إبْلِيسُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ عَصَانِي وَإِنَّمَا أَعُدُّ مَنْ عَصَانِي مِنْ الْأَمْوَاتِ.
وَقَالَ حُذَيْفَةُ، إذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِذَا أَذْنَبَ نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ حَتَّى يَصِيرَ قَلْبُهُ كُلُّهُ أَسْوَدَ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ السَّلَفِ: الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ أَيْ رَسُولُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا إذَا أَوْرَثَتْ الْقَلْبَ هَذَا السَّوَادَ وَعَمَّتْهُ لَمْ يَبْقَ يَقْبَلُ خَيْرًا قَطُّ، فَحِينَئِذٍ يَقْسُو وَيَخْرُجُ مِنْهُ كُلُّ رَحْمَةٍ وَرَأْفَةٍ وَخَوْفٍ فَيَرْتَكِبُ مَا أَرَادَ وَيَفْعَلُ مَا أَحَبَّ، وَيَتَّخِذُ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيُضِلُّهُ وَيُغْوِيهِ وَيَعِدُهُ وَيُمَنِّيهِ، وَلَا يَرْضَى مِنْهُ بِدُونِ الْكُفْرِ مَا وَجَدَ لَهُ إلَيْهِ سَبِيلًا.
قَالَ تَعَالَى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا} [النساء: ١١٧] {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: ١١٨] {وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} [النساء: ١١٩] {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا - أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا} [النساء: ١٢٠ - ١٢١] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر: ٥] {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: ٦] .
وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ وَهْبٍ قَالَ: " إنَّ الرَّبَّ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - قَالَ فِي بَعْضِ مَا يَقُولُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: إنِّي إذَا أَطَاعَنِي الْعَبْدُ رَضِيتُ عَنْهُ وَإِذَا رَضِيتُ عَنْهُ بَارَكْتُ فِيهِ. وَفِي آثَارِهِ وَلَيْسَ لِبَرَكَتِي نِهَايَةٌ، وَإِذَا عَصَانِي الْعَبْدُ غَضِبْتُ عَلَيْهِ وَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute