للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخُصُومَةِ - الَّذِي يُحِجُّ مُخَاصِمَهُ» .

وَصَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ عِيسَى قَالَ: إنَّمَا الْأُمُورُ ثَلَاثَةٌ، أَمْرٌ تَبَيَّنَ لَك رُشْدُهُ فَاتَّبِعْهُ، وَأَمْرٌ تَبَيَّنَ لَك غَيُّهُ فَاجْتَنِبْهُ، وَأَمْرٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَرُدَّهُ إلَى عَالِمِهِ» .

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ قَالُوا: «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا وَنَحْنُ نَتَمَارَى فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا لَمْ يَغْضَبْ مِثْلَهُ ثُمَّ انْتَهَرَنَا فَقَالَ: مَهْلًا يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ. إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا، ذَرُوا الْمِرَاءَ لِقِلَّةِ خَيْرِهِ، ذَرُوا الْمِرَاءَ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُمَارِي، ذَرُوا الْمِرَاءَ فَإِنَّ الْمُمَارِيَ قَدْ تَمَّتْ خَسَارَتُهُ، ذَرُوا الْمِرَاءَ فَكَفَى إثْمًا أَنْ لَا تَزَالَ مُمَارِيًا، ذَرُوا الْمِرَاءَ فَإِنَّ الْمُمَارِيَ لَا أَشْفَعُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ذَرُوا الْمِرَاءَ فَأَنَا زَعِيمٌ بِثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ فِي الْجَنَّةِ: فِي رَبَاضِهَا - أَيْ أَسْفَلِهَا وَوَسَطِهَا، وَأَعْلَاهَا، لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ صَادِقٌ، ذَرُوا الْمِرَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ مَا نَهَانِي عَنْهُ رَبِّي بَعْدَ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ الْمِرَاءُ» الْحَدِيثَ، وَقَوْلُهُ: «بَعْدَ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ» لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبَدَهَا حَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ، إذْ الْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ مِنْ الْكُفْرِ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ.

تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً لَمْ أَرَ مَنْ سَبَقَنِي إلَيْهِ، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كَمَا تَرَى ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ، وَالْحَدِيثُ الْأَخِيرُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا إلَّا أَنَّهُ يُعَضِّدُهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ عِنْدَ اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ» .

وَقَدْ أَخَذَ جَمْعٌ عَدَّ الْوَطْءِ فِي دُبُرِ الْحَلِيلَةِ كَبِيرَةً مِنْ نَظِيرِ هَذَا وَهُوَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ بِأَنَّهُ كُفْرٌ، فَكَذَا يُقَالُ هُنَا: إنَّ تَسْمِيَتَهُ كُفْرًا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَبِيرَةٌ، بَلْ مَا هُنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْكُفْرِ الْحَقِيقِيِّ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ، لِأَنَّ الْجِدَالَ وَالْمِرَاءَ فِي الْقُرْآنِ إنْ أَدَّى إلَى اعْتِقَادِ وُقُوعِ تَنَاقُضٍ حَقِيقِيٍّ أَوْ اخْتِلَالٍ فِي نَظْمِهِ كَانَ كُفْرًا حَقِيقِيًّا وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا أَوْهَمَ بِهِ النَّاسَ تَنَاقُضًا أَوْ اخْتِلَالًا، أَوْ أَدْخَلَ بِالْكَلَامِ فِي الْقُرْآنِ عَلَيْهِمْ شُبْهَةً وَنَحْوَهَا، فَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا حَقِيقِيًّا إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً لِعِظَمِ ضَرَرِهِ فِي الدِّينِ، وَأَدَائِهِ إلَى سُلُوكِ سَبِيلِ الْمُلْحِدِينَ. وَلَقَدْ ضَرَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ أَرَادَ إدْخَالَ أَدْنَى شُبْهَةٍ عَلَى النَّاسِ بِسُؤَالِهِ عَنْ نَحْوِ قَوْله تَعَالَى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: ٥٠] مَعَ قَوْله تَعَالَى: {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: ١٠١] وَعَنْ قَوْله تَعَالَى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ} [يس: ٦٥] مَعَ قَوْله تَعَالَى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ} [النور: ٢٤]

<<  <  ج: ص:  >  >>