للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذُّنُوبِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَرَّأَ مِنْ فَاعِلِ ذَلِكَ وَقَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ» الْحَدِيثَ. وَقَالَ: «اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الطَّعْنِ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةِ، قِيلَ فِيهِ أَقْوَالٌ: أَصَحُّهَا: أَنَّهُمَا مِنْ أَعْمَالِ الْكُفَّارِ وَأَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْكُفْرِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ كُفْرُ النِّعْمَةِ وَالْإِحْسَانِ،

وَالرَّابِعُ: أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَحِلِّ انْتَهَى. فَيَجِبُ الْجَزْمُ بِأَنَّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ النِّيَاحَةِ وَشَقِّ الْجَيْبِ وَالصِّيَاحِ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ وَاسْتِحْضَارِ النَّهْيِ عَنْهُ وَالتَّشْدِيدَاتِ فِيهِ، وَتَعَمَّدَ ذَلِكَ خَرَجَ عَنْ الْعَدَالَةِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ هَذِهِ الْقَبَائِحِ وَإِيذَاءِ الْمَيِّتِ بِذَلِكَ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ السُّنَّةُ. انْتَهَى كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَأَمَّا النِّيَاحَةُ وَمَا بَعْدَهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ تَسَخُّطًا بِالْقَضَاءِ، وَعَدَمَ رِضًا بِالْمَقْضِيِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ، وَإِنْ كَانَ لِفَرْطِ الْجَزَعِ وَالضَّعْفِ عَنْ حَمْلِ الْمُصِيبَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْضَارِ سَخَطٍ وَنَحْوِهِ فَمُحْتَمَلٌ.

وَهَلْ يُعْذَرُ الْجَاهِلُ؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ فِي الْخَادِمِ: وَأَمَّا النِّيَاحَةُ وَمَا بَعْدَهَا فَقَضِيَّةُ الْخَبَرِ بِالتَّوَعُّدِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً انْتَهَى.

فَيَحْرُمُ النَّدْبُ - وَهُوَ تَعْدِيدُ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ كَوَا جَبَلَاهُ -، وَالنَّوْحُ - وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ وَمِثْلُهُ إفْرَاطُ رَفْعِهِ بِالْبُكَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِنَدْبٍ وَلَا نَوْحٍ - وَضَرْبُ نَحْوِ الْخَدِّ، وَشَقُّ نَحْوِ الْجَيْبِ، وَنَشْرُ الشَّعَرِ، وَحَلْقُهُ، وَنَتْفُهُ، وَتَسْوِيدُ الْوَجْهِ، وَإِلْقَاءُ الرَّمَادِ عَلَى الرَّأْسِ، وَالدُّعَاءُ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ: أَيْ الْهَلَاكِ، وَكُلُّ شَيْءٍ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِلزِّيِّ كَلُبْسِ مَا لَا يُعْتَادُ لُبْسُهُ أَصْلًا أَوْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَكَتَرْكِ شَيْءٍ مِنْ لِبَاسِهِ وَالْخُرُوجِ بِدُونِهِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ، وَقَدْ اُبْتُلِيَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بِتَغْيِيرِ الزِّيِّ مَعَ مَا تَقَرَّرَ مِنْ حُرْمَتِهِ بَلْ كَوْنِهِ كَبِيرَةً وَفِسْقًا قِيَاسًا عَلَى تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ وَإِنْ كَانَتْ أَفْحَشَ مِنْهُ، لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوهَا بِمَا يَعُمُّ الْكُلَّ وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ إشْعَارًا ظَاهِرًا بِالسَّخَطِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، أَمَّا الْبُكَاءُ السَّالِمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ بَعْدَهُ إنْ أَمْكَنَ، وَقَالَ جَمْعٌ إنَّهُ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «فَإِذَا وَجَبَتْ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ» . وَقَدْ بَكَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَهُ عَلَى وَلَدِهِ وَغَيْرِهِ.

أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَادَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ فَبَكَى فَلَمَّا رَأَوْهُ بَكَوْا

<<  <  ج: ص:  >  >>