وَمِنْهَا: مَرَّ فِي أَحَادِيثَ تَوَعُّدٌ شَدِيدٌ عَلَى تَحَلِّي النِّسَاءِ بِالذَّهَبِ وَقَدَّمْتُ الْإِشَارَةَ إلَى الْجَوَابِ عَنْهَا، وَنَزِيدُهُ هُنَا بَسْطًا، وَهُوَ أَنَّهُ أُجِيبَ عَنْهَا بِأَجْوِبَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ لِثُبُوتِ إبَاحَةِ تَحْلِيَتِهِنَّ بِالذَّهَبِ.
ثَانِيهَا: أَنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ دُونَ مَنْ أَدَّاهَا بِنَاءً عَلَى وُجُوبِهَا فِيهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَبِعَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا فِيهِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَالظَّاهِرُ مِنْ الْآيَاتِ يَشْهَدُ لِلْأَوَّلِينَ الَّذِينَ أَوْجَبُوهَا، وَالْأَثَرُ يُؤَيِّدُهُ.
وَمَنْ أَسْقَطَهَا ذَهَبَ إلَى النَّظَرِ، وَمَعَهُ طَرَفٌ مِنْ الْأَثَرِ. وَالِاحْتِيَاطُ أَدَاؤُهَا انْتَهَى. ثَالِثُهَا: حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ تَزَيَّنَتْ بِهِ وَأَظْهَرَتْهُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ: «أَمَا إنَّهُ لَيْسَ مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تَتَحَلَّى ذَهَبًا وَتُظْهِرُهُ إلَّا عُذِّبَتْ بِهِ» نَعَمْ صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَمْنَعُ أَهْلَهُ الْحِلْيَةَ وَالْحَرِيرَ، وَيَقُولُ: إنْ كُنْتُنَّ تُحْبِبْنَ حِلْيَةَ الْجَنَّةِ وَحَرِيرَهَا فَلَا تَلْبَسْنَهُمَا فِي الدُّنْيَا» .
رَابِعُهَا: أَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ مَا رَأَى فِي ذَلِكَ مِنْ الْغِلْظَةِ - كَمَا مَرَّ - الْمُؤَدِّي إلَى الْإِسْرَافِ وَهُوَ فِي حُلِيِّ النَّقْدِ يُحَرِّمُهُ.
وَمِنْهَا: سَبَقَ فِي الْأَحَادِيثِ ذَمُّ الْبُخْلِ، وَالْإِشَارَةُ إلَى آفَاتِهِ وَغَوَائِلِهِ؛ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْبُخْلَ - شَرْعًا - هُوَ مَنْعُ الزَّكَاةِ وَأُلْحِقَ بِهَا كُلُّ وَاجِبٍ، فَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ كَانَ بَخِيلًا، وَعُوقِبَ بِمَا مَرَّ فِي الْأَحَادِيثِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَحَدَّهُ قَوْمٌ بِأَنَّهُ مَنْعُ الْوَاجِبِ، فَمَنْ أَدَّى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُ بَخِيلٍ، وَهَذَا غَيْرُ كَافٍ، إذْ مَنْ يَرُدُّ اللَّحْمَ أَوْ الْخُبْزَ إلَى قَصَّابٍ أَوْ خَبَّازٍ لِنَقْصِ حَبَّةٍ يُعَدُّ بَخِيلًا اتِّفَاقًا، وَكَذَا مَنْ يُضَايِقُ عِيَالَهُ فِي لُقْمَةٍ أَوْ تَمْرَةٍ أَكَلُوهَا مِنْ مَالِهِ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَهُمْ مَا فَرَضَ لَهُمْ الْقَاضِي، وَمَنْ بَيْنَ يَدَيْهِ رَغِيفٌ فَحَضَرَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ يُشَارِكُهُ فِيهِ فَأَخْفَاهُ عَنْهُ عُدَّ بَخِيلًا.
وَقَالَ آخَرُونَ: الْبَخِيلُ الَّذِي يَسْتَصْعِبُ كُلَّ الْعَطِيَّةِ، وَهُوَ قَاصِرٌ فَإِنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يَسْتَصْعِبُ كُلَّ عَطِيَّةٍ وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْبُخَلَاءِ لَا يَسْتَصْعِبُ نَحْوَ الْحَبَّةِ، أَوْ الْكَثِيرَ فَقَطْ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي الْبُخْلِ. وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الْجُودِ مَا هُوَ؟ فَقِيلَ هُوَ عَطَاءٌ بِلَا مَنٍّ، وَإِسْعَافٌ عَلَى غَيْرِ رَوِيَّةٍ، وَقِيلَ: عَطَاءٌ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَقِيلَ السُّرُورُ بِالسَّائِلِ، وَالْفَرَحُ بِعَطَاءِ مَا أَمْكَنَ، وَقِيلَ عَطَاءٌ عَلَى رَوِيَّةِ أَنَّهُ وَمَالَهُ لِلَّهِ، وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ مُحِيطٍ بِحَقِيقَةِ الْبُخْلِ وَالْجُودِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute