أَنْوَاعِهِ: مِنْ جَابِي الْمَكْسِ وَكَاتِبِهِ وَشَاهِدِهِ وَوَازِنِهِ وَكَائِلِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَكْبَرِ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ بَلْ هُمْ مِنْ الظَّلَمَةِ بِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَا لَا يَسْتَحِقُّونَهُ وَيَدْفَعُونَهُ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ، وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ صَاحِبُ مَكْسٍ الْجَنَّةَ لِأَنَّ لَحْمَهُ يَنْبُتُ مِنْ حَرَامٍ كَمَا يَأْتِي.
وَأَيْضًا فَلِأَنَّهُمْ تَقَلَّدُوا بِمَظَالِمِ الْعِبَادِ، وَمِنْ أَيْنَ لِلْمَكَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يُؤَدِّيَ النَّاسَ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ إنَّمَا يَأْخُذُونَ مِنْ حَسَنَاتِهِ إنْ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٌ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: إنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَصِيَامٍ وَقَدْ شَتَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا وَأَخَذَ مَالَ هَذَا فَيَأْخُذُ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» .
أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «كَانَ لِدَاوُدَ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاعَةٌ يُوقِظُ فِيهَا أَهْلَهُ يَقُولُ: يَا آلَ دَاوُد قُومُوا فَصَلُّوا فَإِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ يَسْتَجِيبُ اللَّهُ فِيهَا الدُّعَاءَ إلَّا لِسَاحِرٍ أَوْ عَشَّارٍ» .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَهُوَ ثِقَةٌ. وَقَوْلُ الْحَاكِمِ إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّ مُسْلِمًا إنَّمَا أَخْرَجَ لِابْنِ إِسْحَاقَ فِي الْمُتَابَعَاتِ. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ» . قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ يَعْنِي الْعَشَّارَ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ: يُرِيدُ بِصَاحِبِ الْمَكْسِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْ التُّجَّارِ إذَا مَرُّوا عَلَيْهِ مَكْسًا بِاسْمِ الْعُشْرِ أَيْ الزَّكَاةِ. قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: أَمَّا الْآنَ فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَكْسًا بِاسْمِ الْعُشْرِ وَمَكْسًا آخَرَ لَيْسَ لَهُ اسْمٌ بَلْ شَيْءٌ يَأْخُذُونَهُ حَرَامًا وَسُحْتًا وَيَأْكُلُونَهُ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا، حُجَّتُهُمْ فِيهِ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ. وَسُئِلَ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنَّهُ تَابَ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ» الْحَدِيثَ هَلْ الْمَكَّاسُ الْمَعْلُومُ عِنْدَ النَّاسِ هُوَ الَّذِي يَتَنَاوَلُ الْمُرَتَّبَ عَلَى الْبَضَائِعِ أَوْ غَيْرُهُ؟ فَأَجَابَ: الْمَكَّاسُ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ أَحْدَثَ الْمَكْسَ وَيُطْلَقُ عَلَى مَنْ يَجْرِي عَلَى طَرِيقَتِهِ الرَّدِيئَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَكَّاسُ الَّذِي ذَنْبُهُ عَظِيمٌ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ أَيْضًا صَاحِبُ مَكْسٍ وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِلْجَارِي عَلَى طَرِيقَتِهِ، وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute