وَالْبَيْهَقِيُّ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِرَجُلٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ قَالَ كَمْ تَرَكَ: قَالُوا دِينَارَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، قَالَ تَرَكَ كَيَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ كَيَّاتٍ» ، فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْقَاسِمِ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ ذَاكَ رَجُلٌ كَانَ يَسْأَلُ النَّاسَ تَكَثُّرًا ".
تَنْبِيهٌ: عَدُّ مَا ذُكِرَ كَبِيرَةً ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، وَمَرَّ تَقْيِيدُ الْحُرْمَةِ بِالْغِنَى. وَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد: «مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ النَّارِ» ، قَالَ أَحَدُ رُوَاتِهِ «قَالُوا وَمَا الْغِنَى الَّذِي لَا تَنْبَغِي مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ؟ قَالَ بِقَدْرِ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ» .
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ فِيهِ: «مَنْ سَأَلَ شَيْئًا وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ كَذَا عِنْدَهُ أَوْ يُعَشِّيهِ بِأَلْفٍ» . وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ بِاخْتِصَارٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْغِنَى الَّذِي لَا تَنْبَغِي مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ؟ قَالَ أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ» . قَالَ الْخَطَّابِيُّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَنْ وَجَدَ غَدَاءَ يَوْمٍ وَعَشَاءً لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ وَجَدَ غَدَاءً وَعَشَاءً عَلَى دَائِمِ الْأَوْقَاتِ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ لِقُوتِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هَذَا مَنْسُوخٌ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا تَقْدِيرُ الْغِنَى بِمِلْكِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتِهَا وَبِمِلْكِ أُوقِيَّةٍ أَوْ قِيمَتِهَا انْتَهَى.
وَالرَّاجِحُ عِنْدَنَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ يَسْأَلُ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ، فَإِنْ كَانَ يَسْأَلُ الزَّكَاةَ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَ عِنْدَهُ كِفَايَةُ بَقِيَّةِ الْعُمُرِ الْغَالِبِ، وَادِّعَاءُ النَّسْخِ مَمْنُوعٌ إذْ شَرْطُهُ عِلْمُ التَّارِيخِ وَتَأَخُّرُ النَّاسِخِ عَنْ الْمَنْسُوخِ وَلَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ بِالدِّرْهَمِ غَنِيًّا مَعَ كَسْبِهِ وَلَا تُغْنِيهِ الْأَلْفُ مَعَ ضَعْفِهِ وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ. وَذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إلَى أَنَّ مَنْ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الزَّكَاةِ، وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ يَقُولَانِ: مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَهُوَ غَنِيٌّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مَنْ يَمْلِكُ دُونَ النِّصَابِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا مَعَ قَوْلِهِمْ مَنْ كَانَ لَهُ قُوتُ يَوْمٍ لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ اسْتِدْلَالًا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ.
وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ قَالَ أَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute