حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا وَالْكَيَّ فِي الْوَجْهِ وَكَذَا ضَرْبُهُ، وَاسْتَدَلَّ بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي حَبَسَتْ الْهِرَّةَ فَأَدْخَلَتْهَا النَّارَ، وَبِقَوْلِ شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذِهِ الْمَرْأَةُ كَانَتْ مُسْلِمَةً وَالْمَعْصِيَةُ كَبِيرَةٌ انْتَهَى.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِكَرَاهَةِ الذَّبْحِ بِالسِّكِّينِ الْكَالَّةِ، فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَكُونُ عَدَمُ الْإِحْسَانِ السَّابِقِ كَبِيرَةً؟ قُلْت: يَتَعَيَّنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ كَلَامِهِمْ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ كَالَّةً لَكِنَّهَا تَقْطَعُ الْمَرِيءَ وَالْحُلْقُومَ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ لِحِلِّهِ حِينَئِذٍ مَعَ خِفَّةِ التَّعْذِيبِ. وَهَذَا هُوَ مُرَادُهُمْ بِأَنَّهُ الَّذِي يُكْرَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ لَوْ ذَبَحَ بِكَالٍّ لَا يَقْطَعُ إلَّا بِقُوَّةِ الذَّابِحِ لَمْ يَحِلَّ. أَمَّا إذَا وَصَلَ إلَيْهَا قَبْلَ قَطْعِ الْمَرِيءِ أَوْ بَعْضِ الْحُلْقُومِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحَرِّمُهَا وَيُصَيِّرُهَا مَيْتَةً كَمَا صَرَّحُوا بِهِ؛ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا لِأَنَّ تَصْيِيرَ الْحَيَوَانِ مَيْتَةً لَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ كَبِيرَةً.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْحَيَوَانُ الْبَرِّيُّ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ وَلَوْ وَحْشِيًّا إلَّا بِالْقَطْعِ الْمَحْضِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ تَحِلُّ ذَكَاتُهُ لِجَمِيعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مَعَ اسْتِقْرَارِ الْحَيَاةِ فِي الِابْتِدَاءِ بِمُحَدَّدٍ جَارِحٍ غَيْرِ الْعَظْمِ وَلَوْ سِنًّا وَالظُّفْرَ، فَلَوْ ذَبَحَهُ مِنْ قَفَاهُ أَوْ مِنْ صَفْحَةِ عُنُقِهِ أَوْ بِإِدْخَالِ السِّكِّينِ فِي أُذُنِهِ حَلَّ وَإِنْ انْتَهَى بَعْدَ قَطْعِ الْمَرِيءِ وَبَعْضِ الْحُلْقُومِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لَمَا نَالَهُ بِقَطْعِ الْقَفَا لَكِنَّهُ يَعْصِي وَيَأْثَمُ بِذَلِكَ، بَلْ رُبَّمَا يَفْسُقُ إنْ عَلِمَ وَتَعَمَّدَ لِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْحَيَوَانِ الْإِيذَاءَ الشَّدِيدَ. وَيَكْفِي فِي اسْتِقْرَارِ الْحَيَاةِ الظَّنُّ كَأَنْ تَشْتَدَّ حَرَكَتُهُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَيَتَفَجَّرَ دَمُهُ وَيَتَدَفَّقَ وَيَحْرُمُ مَا أُبِينَ رَأْسُهُ بِسِكِّينٍ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْحُلْقُومِ أَوْ الْمَرِيءِ أَوْ بِنَحْوِ بُنْدُقَةٍ وَإِنْ قُطِعَا وَمَا تَأَنَّى فِي ذَبْحِهِ فَلَمْ يُتِمَّهُ حَتَّى ذَهَبَ اسْتِقْرَارُ الْحَيَاةِ أَوْ شَكَّ فِي بَقَائِهَا، وَمَا قَارَنَ ذَبْحَهُ إخْرَاجُ أَمْعَائِهِ، وَمَيِّتٌ بِمُثْقَلٍ مُحَدَّدٍ أَصَابَهُ كَعَرْضِ سَهْمٍ وَإِنْ أَنْهَرَ الدَّمَ أَوْ بِمُحَرَّمٍ وَمُبِيحٍ كَجُرْحِ سَهْمٍ وَصَدْمٍ عَرَضَهُ فِي مُرُورِهِ وَكَجَرْحِهِ جَرْحًا مُؤَثِّرًا فَوَقَعَ عَلَى مُحَدَّدٍ أَوْ فِي نَحْوِ مَاءٍ، وَلَوْ جَرَحَ سَبُعٌ صَيْدًا أَوْ سَقَطَ جِدَارٌ عَلَى بَعِيرٍ أَوْ أَكَلَ عَلَفًا مُضِرًّا فَذَبَحَهُ لَمْ يَحِلَّ إلَّا إنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ مُسْتَقِرَّةً عِنْدَ ابْتِدَاءِ الذَّبْحِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَرِضَ أَوْ جَاعَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ ذَبْحُهُ وَإِنْ انْتَهَى إلَى أَدْنَى رَمَقٍ، إذْ لَا سَبَبَ هُنَا يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute