(وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ) : أَيْ أَكَلَ بَعْضَهُ وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إذَا جَرَحَ السَّبُعُ شَيْئًا فَقَتَلَهُ وَأَكَلَ بَعْضَهُ أَكَلُوا مَا بَقِيَ فَحَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] : أَنَّ مَا أُدْرِكَ مِنْ الْمُنْخَنِقَةِ وَمَا بَعْدَهَا وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَذُكِّيَ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا.
(وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) : قِيلَ هِيَ الْحِجَارَةُ كَانُوا يَذْبَحُونَ عَلَيْهَا فَعَلَى حِينَئِذٍ وَاضِحَةٌ، وَقِيلَ هِيَ الْأَصْنَامُ، تُنْصَبُ لِتَعَبُّدٍ فَعَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ لِأَجْلِهَا، وَالتَّقْدِيرُ وَمَا ذُبِحَ عَلَى اعْتِقَادِ تَعْظِيمِهَا. قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ: «كَانَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ حَجَرًا مَنْصُوبَةً يَعْبُدُهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَيُعَظِّمُونَهَا وَيَذْبَحُونَ لَهَا وَلَيْسَتْ بِأَصْنَامٍ إنَّمَا الْأَصْنَامُ هِيَ الصُّورَةُ الْمَنْقُوشَةُ وَكَانُوا يُلَطِّخُونَهَا بِتِلْكَ الْأَدْمِيَةِ وَيَضَعُونَ اللَّحْمَ عَلَيْهَا، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُعَظِّمُونَ الْبَيْتَ بِالدَّمِ فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نُعَظِّمَهُ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا} [الحج: ٣٧] » .
وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ} [المائدة: ٣] النَّهْيُ عَمَّا كَانَ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ أَنَّ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ حَاجَةً أَيَّ حَاجَةٍ كَانَتْ جَاءَ إلَى سَادِنِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ عِنْدَهُ سَبْعَةُ أَقْدَاحٍ مُسْتَوِيَةٍ مِنْ شَوْحَطٍ وَسُمِّيَتْ بِالْأَزْلَامِ لِأَنَّهَا زُلِّمَتْ: أَيْ سُوِّيَتْ، وَكَانَ مَكْتُوبًا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا نَعَمْ وَآخَرَ لَا وَآخَرَ مِنْكُمْ وَآخَرَ مِنْ غَيْرِكُمْ: أَيْ التَّزَوُّجُ، وَآخَرَ مُلْصَقٌ أَيْ النَّسَبُ وَآخَرَ عَقْلٌ: أَيْ دِيَةٌ وَآخَرَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَرَادُوا أَمْرًا أَوْ اخْتَلَفُوا فِي نَسَبٍ أَوْ تَحَمُّلِ دِيَةٍ جَاءُوا إلَى هُبَلَ أَعْظَمِ أَصْنَامِهِمْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَجَزُورٍ لِصَاحِبِ الْقِدَاحِ حَتَّى يُجِيلَهَا لَهُمْ، وَيَقُولُونَ يَا آلِهَتَنَا إنَّا أَرَدْنَا كَذَا وَكَذَا، فَمَا خَرَجَ فَعَلُوا بِقَضِيَّتِهِ، فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَحَرَّمَهُ، وَقَالَ {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: ٣] وَوَجْهُ ذِكْرِهَا مَعَ هَذِهِ الْمَطَاعِمِ أَنَّهَا كَانَتْ تُرْفَعُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَعَهَا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَسُمِّيَ ذَلِكَ اسْتِقْسَامًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهِ الرِّزْقَ وَمَا يُرِيدُونَ، وَنَظِيرُ هَذَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ قَوْلُ الْمُنَجِّمِ لَا تَخْرُجْ مِنْ أَجْلِ نَجْمِ كَذَا. وَاخْرُجْ مِنْ أَجْلِ نَجْمِ كَذَا. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: الْمُرَادُ بِالْآيَةِ الْقِمَارُ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ الْأَزْلَامُ حَصًا بِيضٌ كَانُوا يَضْرِبُونَ بِهَا، وَمُجَاهِدٌ هِيَ كِعَابُ فَارِسٍ وَالرُّومِ يَتَقَامَرُونَ بِهَا. وَالشَّعْبِيُّ: الْأَزْلَامُ لِلْعَرَبِ، وَالْكِعَابُ لِلْعَجَمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute