عَلَيْهِ قَوْلَهُ: «هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ» قَالَ أُسَامَةُ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَمَنَّ الْكُفْرَ وَلَا تَأْخِيرَ إسْلَامِهِ حَقِيقَةً إلَى بَعْدِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ، وَإِنَّمَا تَمَنَّى سَبْقَ هَذِهِ الْفِعْلَةِ مِنْهُ لِإِسْلَامِهِ حَتَّى يُكَفِّرَهَا الْإِسْلَامُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ.
قِيلَ: وَلَمَّا بَعُدَ عَنْ الْعِلْمِ أَقْوَامٌ لَاحَظُوا أَعْمَالَهُمْ وَاتَّفَقَ لِبَعْضِهِمْ مِنْ الْأَلْطَافِ مَا يُشْبِهُ الْكَرَامَاتِ انْبَسَطُوا بِالدَّعَاوَى، وَلَمْ يَتَّبِعُوا طَرِيقَ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي تَرْكِ الدَّعَاوَى رَأْسًا حَتَّى نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: وَدِدْت أَنْ قَدْ قَامَتْ الْقِيَامَةُ حَتَّى أَنْصِبَ خَيْمَتِي عَلَى جَهَنَّمَ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ: وَلِمَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إنِّي أَعْلَمُ أَنَّ جَهَنَّمَ إذَا رَأَتْنِي تَخْمُدُ فَأَكُونُ رَحْمَةً لِلْخَلْقِ.
وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ الْكَلَامِ وَأَفْحَشِهِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْقِيرَ مَا عَظَّمَ اللَّهُ شَأْنَهُ مِنْ أَمْرِ النَّارِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى بَالَغَ فِي وَصْفِهَا فَقَالَ: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة: ٢٤] وَقَالَ تَعَالَى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان: ١٢] .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: «نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ جَهَنَّمَ قَالُوا وَاَللَّهِ إنْ كَانَتْ نَارُنَا لَكِفَايَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا» .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَيْضًا: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا» .
وَلَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّالِحِينَ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا وَعِنْدَهُ سِرَاجٌ فَخَطَرَتْ لَهُ مَعْصِيَةٌ فَقَالَ لِنَفْسِهِ: أَنَا أَجْعَلُ أُصْبُعِي فِي هَذِهِ الْفَتِيلَةِ فَإِنْ صَبَرْتِ عَلَيْهَا أَطَعْتُكِ فِي هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ، ثُمَّ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي النَّارِ فَصَاحَ صَيْحَةً مُزْعِجَةً فَقَالَ: يَا عَدُوَّةَ اللَّهِ إذَا لَمْ تَصْبِرِي عَلَى نَارِ الدُّنْيَا هَذِهِ الَّتِي طَفِئَتْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَكَيْفَ تَصْبِرِينَ عَلَى نَارِ جَهَنَّمَ؟ وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِكَعْبِ الْأَحْبَارِ: خَوِّفْنَا يَا كَعْبُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ وَافَيْتَ الْقِيَامَةَ بِعَمَلِ سَبْعِينَ نَبِيًّا لَازْدَرَيْت عَمَلَك مِمَّا تَرَى، فَأَطْرَقَ عُمَرُ مَلِيًّا ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: زِدْنَا يَا كَعْبُ. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ فُتِحَ مِنْ جَهَنَّمَ قَدْرُ مَنْخَرِ ثَوْرٍ بِالْمَشْرِقِ، وَرَجُلٌ بِالْمَغْرِبِ لَغَلَى دِمَاغُهُ حَتَّى يَسِيلَ مِنْ حَرِّهَا، فَأَطْرَقَ عُمَرُ مَلِيًّا، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: زِدْنَا يَا كَعْبُ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ جَهَنَّمَ لَتَزْفِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ زَفْرَةً لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute