للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَتَى اخْتَلَفَا جِنْسًا وَاتَّحَدَا عِلَّةً كَبُرٍّ بِشَعِيرٍ أَوْ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ اُشْتُرِطَ شَرْطَانِ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ وَجَازَ التَّفَاضُلُ، وَمَتَى اخْتَلَفَا جِنْسًا وَعِلَّةً كَبُرٍّ بِذَهَبٍ أَوْ ثَوْبٍ لَمْ يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ؛ فَالْمُرَادُ بِالْعِلَّةِ هُنَا إمَّا الطَّعْمُ بِأَنْ يَقْصِدَ الشَّيْءَ لِلِاقْتِيَاتِ أَوْ الْأَدَمِ أَوْ التَّفَكُّهِ أَوْ التَّدَاوِي.

وَأَمَّا النَّقْدِيَّةُ: وَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَضْرُوبَةً وَغَيْرَهَا فَلَا رِبَا فِي الْفُلُوسِ وَإِنْ رَاجَتْ، وَزَادَ الْمُتَوَلِّي نَوْعًا رَابِعًا وَهُوَ رِبَا الْقَرْضِ، لَكِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ يَرْجِعُ إلَى رِبَا الْفَضْلِ لِأَنَّهُ الَّذِي فِيهِ شَرْطٌ يَجُرُّ نَفْعًا لِلْمُقْرِضِ فَكَأَنَّهُ أَقْرَضَهُ هَذَا الشَّيْءَ بِمِثْلِهِ مَعَ زِيَادَةِ ذَلِكَ النَّفْعِ الَّذِي عَادَ إلَيْهِ، وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ بِنَصِّ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَالْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ، وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي الرِّبَا مِنْ الْوَعِيدِ شَامِلٌ لِلْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ، نَعَمْ بَعْضُهَا مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَبَعْضُهَا تَعَبُّدِيٌّ، وَرِبَا النَّسِيئَةِ هُوَ الَّذِي كَانَ مَشْهُورًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْفَعُ مَالَهُ لِغَيْرِهِ إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كُلَّ شَهْرٍ قَدْرًا مُعَيَّنًا وَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ بِحَالِهِ، فَإِذَا حَلَّ طَالِبُهُ بِرَأْسِ مَالِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ زَادَ فِي الْحَقِّ وَالْأَجَلِ، وَتَسْمِيَةُ هَذَا نَسِيئَةً مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ رِبَا الْفَضْلِ أَيْضًا لِأَنَّ النَّسِيئَةَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ فِيهِ بِالذَّاتِ وَهَذَا النَّوْعُ مَشْهُورٌ الْآنَ بَيْنَ النَّاسِ وَوَاقِعٌ كَثِيرًا.

وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا يُحَرِّمْ إلَّا رِبَا النَّسِيئَةِ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَهُمْ فَيَنْصَرِفُ النَّصُّ إلَيْهِ، لَكِنْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِتَحْرِيمِ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ السَّابِقَةِ مِنْ غَيْرِ مَطْعَنٍ وَلَا نِزَاعٍ لِأَحَدٍ فِيهَا، وَمِنْ ثَمَّ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ لَمَّا قَالَ لَهُ أُبَيٌّ أَشَهِدْت مَا لَمْ نَشْهَدْ أَسَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ نَسْمَعْ ثُمَّ رَوَى لَهُ الْحَدِيثَ الصَّرِيحَ فِي تَحْرِيمِ الْكُلِّ ثُمَّ قَالَ لَهُ: لَا آوَانِي وَإِيَّاكَ ظِلُّ بَيْتٍ مَا دُمْت عَلَى هَذَا فَحِينَئِذٍ رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: كُنَّا فِي بَيْتِ عِكْرِمَةَ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: «أَمَا تَذْكُرُ وَنَحْنُ بِبَيْتِ فُلَانٍ وَمَعَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ إنَّمَا كُنْت اسْتَحْلَلْت الصَّرْفَ بِرَأْيِي، ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَهُ فَاشْهَدُوا أَنِّي حَرَّمْته وَبَرِئْت إلَى اللَّهِ مِنْهُ» .

وَأَبْدَوْا لِتَحْرِيمِ الرِّبَا أُمُورًا غَيْرَ مَطْرَدَةٍ فِي كُلِّ أَنْوَاعِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قُلْت فِيمَا مَرَّ إنَّ بَعْضَهُ تَعَبُّدِيٌّ: مِنْهَا: أَنَّهُ إذَا بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ نَقْدًا أَوْ نَسِيئَةً أَخَذَ فِي الْأَوَّلِ زِيَادَةً مِنْ غَيْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>