للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَوَامِرِ سَيِّدِهِ الْقَوِيِّ الْقَادِرِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْمُنْتَقِمِ الْجَبَّارِ الْعَزِيزِ الْقَهَّارِ، وَمَتَى حَكَّمَ عَقْلُهُ، وَعَارَضَ بِهِ أَمْرَ سَيِّدِهِ انْتَقَمَ مِنْهُ وَأَهْلَكَهُ بِعَذَابِهِ الشَّدِيدِ {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج: ١٢]

{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: ١٤] .

وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة: ٢٧٥] أَيْ وَاصِلَةٌ إلَيْهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ مَوَاعِظِ رَبِّهِ {فَانْتَهَى} [البقرة: ٢٧٥] أَيْ رَجَعَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ أَخْذِ الرِّبَا فَوْرًا عَقِبَ الْمَوْعِظَةِ {فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: ٢٧٥] أَيْ سَبَقَ مِمَّا أَخَذَهُ بِالرِّبَا قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ تَحْرِيمِهِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا بِهِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ تَحْرِيمِهِ، فَإِنَّ مَنْ تَابَ مِنْهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ جَمِيعِ مَا أَخَذَهُ بِالرِّبَا، وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ التَّحْرِيمَ لَبُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ تَعَاطَاهُ وَقْتَ التَّكْلِيفِ بِهِ وَالْجَهْلِ الَّذِي يُعْذَرُ بِهِ صَاحِبُهُ إنَّمَا يُؤْثِرُ فِي رَفْعِ الْإِثْمِ دُونَ الْغَرَامَاتِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ {وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: ٢٧٥] أَيْ أَمْرُ مَا سَلَفَ، أَوْ الْمُنْتَهِي عَنْ الرِّبَا أَوْ الرِّبَا إلَى اللَّهِ فِي الْعَفْوِ وَعَدَمِهِ، أَوْ فِي اسْتِمْرَارِ تَحْرِيمِ الرِّبَا؛ ثُمَّ فِي مَعْنَى ذَلِكَ وُجُوهٌ لِلْمُفَسِّرِينَ.

قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ: وَاَلَّذِي أَخْتَارُهُ أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ تَرَكَ اسْتِحْلَالَ الرِّبَا مِنْ غَيْرِ بَيَانِ أَنَّهُ تَرَكَ أَكْلَهُ أَمْ لَا: أَيْ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَا يَأْتِي آخِرِ الْآيَةِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ تَرَكَ اسْتِحْلَالَهُ مَعَ تَعَاطِيهِ لَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {فَانْتَهَى} [البقرة: ٢٧٥] أَيْ عَمَّا دَلَّ عَلَيْهِ سَابِقُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] مِنْ تَحْلِيلِهِ.

وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٢٧٥] أَيْ عَادَ إلَى الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] ثُمَّ إذَا انْتَهَى عَنْ اسْتِحْلَالِهِ، فَإِمَّا أَنَّهُ انْتَهَى عَنْ أَكْلِهِ أَيْضًا وَلَيْسَ مُرَادًا لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ وَإِنَّمَا يَلِيقُ بِهِ الْمَدْحُ، أَوْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْ أَكْلِهِ مَعَ اعْتِقَادِهِ لِحُرْمَتِهِ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَمْرُهُ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَاقَبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] ، {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٦] أَيْ مُعَامَلَةً لِفَاعِلِيهِ بِنَقِيضِ قَصْدِهِمْ فَإِنَّهُمْ آثَرُوهُ تَحْصِيلًا لِلزِّيَادَةِ غَيْرَ مُلْتَفِتِينَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ يُغْضِبُ اللَّهَ تَعَالَى، فَمَحَقَ تِلْكَ الزِّيَادَةَ بَلْ وَالْمَالَ مِنْ أَصْلِهِ حَتَّى صَيَّرَ عَاقِبَتَهُمْ إلَى الْفَقْرِ الْمُدْقِعِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ مِنْ أَكْثَرِ مَنْ يَتَعَاطَاهُ، وَبِفَرْضِ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى غُرَّةٍ يَمْحَقُهُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِي وَرَثَتِهِ فَلَا يَمُرُّ عَلَيْهِمْ أَدْنَى زَمَانٍ إلَّا وَقَدْ صَارُوا بِغَايَةِ الْفَقْرِ وَالذُّلِّ وَالْهَوَانِ.

قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ فَإِلَى قُلٍّ» .

وَمِنْ الْمُحِقِّ أَيْضًا مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ الذَّمِّ وَالْبُغْضِ، وَسُقُوطِ الْعَدَالَةِ، وَزَوَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>