بِصَاحِبِهِ أَخَذَ جَمِيعَ مَالِهِ بِحَقٍّ وَبَاطِلٍ وَأَهْلَكَهُ وَصَيَّرَهُ فَقِيرًا لِوَقْتِهِ، وَإِذَا وَقَعَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَرِحَ بِهِ فَرَحًا كَثِيرًا، وَسَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ الْخَبِيثَةُ أَنَّهُ غَلَبَهُ وَظَفِرَ بِهِ بِمَا غَشَّهُ وَاحْتَالَ عَلَيْهِ بِالْبَاطِلِ إلَى أَنْ اسْتَأْصَلَ مَالَهُ وَظَفِرَ بِهِ كَكَلْبٍ ظَفِرَ بِجِيفَةٍ وَأَكَلَ مِنْهَا حَتَّى لَمْ يُبْقِ مِنْهَا شَيْئًا. فَهَذَا حَاصِلُ مَا يَقَعُ هُوَ وَأَكْثَرُ مِنْهُ الْآنَ. فَتَفَضَّلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِبَيَانِ أَحْكَامِ ذَلِكَ حَتَّى يَعْرِفَهَا النَّاسُ، لِيَصِيرَ مَنْ خَالَفَهَا قَدْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ وَهَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَمَنْ وَافَقَهَا قَدْ أَسْعَفَتْهُ كَلِمَةُ التَّوْفِيقِ وَأَحْيَا عَنْ بَيِّنَةٍ، وَابْسُطُوا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ بَسْطًا شَافِيًا، فَإِنَّ النَّاسَ مُضْطَرُّونَ إلَى بَيَانِ أَحْكَامِ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَبَعْضَهُمْ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ جَهْلًا بِحُرْمَتِهِ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ.
هَذَا حَاصِلُ هَذَا السُّؤَالِ. وَلَعَمْرِي إنَّهُ حَقِيقٌ أَنْ يُفْرَدَ بِالتَّأْلِيفِ لِسَعَةِ أَحْكَامِهِ وَكَثْرَةِ صُوَرِهِ وَاحْتِيَاجِ النَّاسِ، بَلْ اضْطِرَارُهُمْ إلَى بَسْطِ الْكَلَامِ عَلَى كُلِّ صُورَةٍ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا لِغَلَبَةِ الْغِشِّ وَالْخِيَانَةِ عَلَى الْبَاعَةِ حَتَّى لَا يَسْلَمَ مِنْهُمَا إلَّا النَّادِرُ الَّذِي حَفِظَهُ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ لَأَفْرَدْت ذَلِكَ بِتَأْلِيفٍ مُسْتَوْعِبٍ جَامِعٍ لَكِنِّي أُشِيرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى مَا يَنْفَعُ الْمُوَفَّقَ، وَيُحَذِّرُ الْعَاصِيَ، وَمَنْ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ هِدَايَتَهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ.
فَأَقُولُ: أَمَّا مَسْأَلَةُ بَيْعِ الظَّرْفِ مَعَ مَا فِيهِ فَاتَّفَقَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ مَتَى جَهِلَ وَزْنَ الظَّرْفِ عَلَى انْفِرَادِهِ، فَبِيعَ مَعَ مَظْرُوفِهِ كُلُّ رِطْلٍ مِنْ الْجُمْلَةِ بِكَذَا كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ حَيِّزِ الْغَرَرِ. وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ، وَكَذَا لَوْ جَهِلَ وَزْنَ الْمَظْرُوفِ وَحْدَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلظَّرْفِ قِيمَةٌ لِاشْتِرَاطِ الْعَقْدِ عَلَى بَذْلِ مَالٍ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ فِيمَا ذُكِرَ أَوَّلَ السُّؤَالِ عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ فِيهِ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ أَنَّ فَسَقَةَ التُّجَّارِ يَأْخُذُونَ الْفِلْفِلَ مَثَلًا وَيَجْعَلُونَهُ فِي خَيْشٍ مُرَقَّعٍ مِنْ دَاخِلِهِ بِرُقَعٍ كَثِيرَةٍ تُثْقِلُ جُرْمَهُ، ثُمَّ يَبِيعُونَ ذَلِكَ الْفِلْفِلَ أَوْ نَحْوَهُ مَعَ ظَرْفِهِ كُلُّ مَنٍّ بِعَشَرَةٍ مَثَلًا، ثُمَّ يَزِنُونَ الظَّرْفَ مَعَ مَظْرُوفِهِ، فَإِذَا جَاءَتْ الْجُمْلَةُ مِائَةَ مَنٍّ كَانَتْ بِأَلْفٍ.
وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الظَّرْفَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَبِيعِ وَوَزْنُهُ مَجْهُولٌ بَلْ فِيهِ غِشٌّ وَتَدْلِيسٌ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَهُ مِنْ دَاخِلِهِ الْمُمَاسِّ لَهُ الْفِلْفِلُ مَثَلًا رُقَعًا وَنَحْوَهَا مِمَّا يَقْتَضِي وَزْنَهُ فِي الثِّقَلِ وَيَتْرُكُونَ ظَاهِرَهُ عَلَى حَالِهِ الْمُوهِمِ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ خَفِيفُ الْوَزْنِ بِحَيْثُ إنْ رَأَيْته تَقْطَعُ عِنْدَ نَظَرِهِ لِظَاهِرِهِ بِأَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ أَرْبَعَةَ أَمْنَانٍ مَثَلًا، فَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute