قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَيَشْهَدُ لِلثَّانِي مَا سَبَقَ عَنْ الْهَرَوِيِّ. وَقَالَ فِي التَّوَسُّطِ: وَأَلْحَقَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَكْلَ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَغَيْرِهِمْ بِالْبَاطِلِ مِنْ الْكَبَائِرِ، كَأَخْذِهَا رِشْوَةً، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ لَا، وَكَذَا أَطْلَقَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ أَكْلَ مَالِ الْيَتَامَى وَأَخْذَ الرِّشْوَةِ وَجَرَى عَلَى إطْلَاقِهِ فِيهَا وَفِي الْخِيَانَةِ فِي كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ الشَّيْخَانِ. وَفِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ مَا يَشْهَدُ لَهُ وَذَلِكَ يُورِثُ ضَعْفَ التَّقْيِيدِ فِي الْمَغْصُوبِ بِرُبْعِ دِينَارٍ انْتَهَى.
وَقَالَ أَيْضًا: وَقَوْلُ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَمَنْعُ الزَّكَاةِ كَبِيرَةٌ، قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْعِ الْقَلِيلِ مِنْهَا وَالْكَثِيرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ.
وَقِيَاسُ اعْتِبَارِ الْهَرَوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ الْمَغْصُوبُ رُبْعَ دِينَارٍ أَنَّ مَنْعَ مَا دُونَ ذَلِكَ. لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ، وَلَكِنَّهُ تَحْدِيدٌ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: لَا مُسْتَنَدَ لَهُ ظَاهِرٌ. بَلْ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ غَصْبَ الْحَبَّةِ وَسَرِقَتَهَا كَبِيرَةٌ انْتَهَى. وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ مَالًا حَرَامًا، وَلَوْ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ أَكْلٍ فَسَقَ. وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ: يَفْسُقُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَابْنُ الْجُبَّائِيِّ بِدِرْهَمٍ فَصَاعِدًا انْتَهَى.
وَكَأَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ لَمْ يَعْتَدَّ بِمُقَابَلَةِ الْبَغَوِيِّ وَالْهَرَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا السَّابِقَةِ لِضَعْفِ مَدْرَكِهَا وَلِأَنَّهُ لَا مُسْتَنَدَ لَهَا كَمَا تَقَرَّرَ. إذْ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي وَعِيدِ الْغَاصِبِ وَشَاهِدِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَالرِّشْوَةِ وَالْمُطَفِّفِ وَالسَّارِقِ وَمَانِعِ الزَّكَاةِ مُطْلَقَةٌ فَتَتَنَاوَلَ قَلِيلَ ذَلِكَ وَكَثِيرَهُ، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا إلَّا بِدَلِيلٍ سَمْعِيٍّ إذْ الْحُكْمُ بِالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الْمُقْتَضِي لِلْكَبِيرَةِ عَلَى أَحَدِ التَّعَارِيفِ السَّابِقَةِ إنَّمَا يُتَلَقَّى مِنْ الشَّارِعِ، فَإِذَا صَحَّ وَعِيدٌ شَدِيدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِقَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ وَجَبَ إجْرَاءُ ذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَعَدَمُ تَقْيِيدِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ سَمْعِيٌّ أَيْضًا، وَحَيْثُ لَا دَلِيلَ لِذَلِكَ فَلَا مُسْتَنَدَ لِذَلِكَ التَّحْدِيدِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، فَبَانَ أَنَّ الْوَجْهَ أَنَّ ذَلِكَ الْقَيْدَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا ضَعِيفٌ وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهَا بِكَوْنِهَا كَبَائِرَ وَأَنَّ فَاعِلَهَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ بَيْنَ الْقَلِيلِ مِنْهَا وَالْكَثِيرِ. نَعَمْ الشَّيْءُ التَّافِهُ جِدًّا الَّذِي تَقْضِي الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ بِهِ كَزَبِيبَةٍ أَوْ عِنَبَةٍ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ غَصْبَهُ صَغِيرَةٌ، لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ السَّابِقَ ذِكْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الَّذِي إنْ لَمْ نَحْمِلْهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ حَمَلْنَاهُ عَلَى إجْمَاعِ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute