فِي الْوَصِيَّةِ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [النساء: ١٤] . قَالَ فِي الْوَصِيَّةِ: وَأَيْضًا فَمُخَالَفَةُ أَمْرِ اللَّهِ عِنْدَ الْقُرْبِ مِنْ الْمَوْتِ تَدُلُّ عَلَى الْخَسَارَةِ الشَّدِيدَةِ، وَذَلِكَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ انْتَهَى.
وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ الزَّرْكَشِيُّ، فَإِنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ: رَأَيْت بِخَطِّ الزَّرْكَشِيّ مَا لَفْظُهُ وَسَاقَ مَا ذَكَرْته عَنْ ابْنِ عَادِلٍ جَمِيعَهُ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُ، وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْ الزَّرْكَشِيّ فَإِنَّ مَا أَطْلَقَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَأْتِي عَلَى قَوَاعِدِنَا لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كَبِيرَةً. نَعَمْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ قَصَدَ حِرْمَانَ وَرَثَتِهِ، وَعَلِمَ أَنَّ مَنْ أَوْصَى لَهُ يَسْتَوْلِي عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تُعَدَّ وَصِيَّتُهُ حِينَئِذٍ كَبِيرَةً لِأَنَّ فِيهِ أَبْلَغَ الْإِضْرَارِ بِالْوَرَثَةِ سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي يَصْدُقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيَتُوبُ فِيهَا الْفَاجِرُ، فَإِقْدَامُهُ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى قَسْوَةِ قَلْبِهِ وَفَسَادِ لُبِّهِ، وَغَايَةِ جُرْأَتِهِ، فَلِذَلِكَ يُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ النَّارَ كَمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ الْإِقْرَارِ ظَاهِرٌ وَقَدْ قَدَّمْت الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ يُقَيِّدُهُ الَّذِي ذَكَرَهُ. يَأْتِي فِيهِ مَا قَدَّمْته فِي الْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ.
وَمِنْ الْإِضْرَارِ فِي الْوَصِيَّةِ أَنْ يُوصِيَ عَلَى نَحْوِ أَطْفَالِهِ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مَالَهُمْ أَوْ يَكُونُ سَبَبًا لِضَيَاعِهِ لِكَوْنِهِ لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَمَا ذَكَرْته مِنْ الْحَدِيثَيْنِ فَالْأَوَّلُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ سَبْعِينَ سَنَةً فَإِذَا أَوْصَى خَانَ فِي وَصِيَّتِهِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ الْعَمَلِ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الشَّرِّ سَبْعِينَ سَنَةً فَيَعْدِلُ فِي وَصِيَّتِهِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ» . وَالثَّانِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا بِلَفْظِ: «مَنْ فَرَّ بِمِيرَاثِ وَارِثِهِ قَطَعَ اللَّهُ مِيرَاثَهُ مِنْ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» : وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ خَبَرُ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ أَوْ الْمَرْأَةَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَبْعِينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيَضُرَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ ثُمَّ قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: ١٢] حَتَّى بَلَغَ {وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [النساء: ١٣] » .
تَتِمَّةٌ: يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِالْوَصِيَّةِ بِالْعَدْلِ. أَمَّا الثَّانِي فَلِمَا ذُكِرَ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ» . وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute