السُّكُوتَ عَلَيْهَا - رِضًا بِهَا - كَبِيرَةٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي أَنَّ تَرْكَ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَالْغِيبَةُ مِنْ عَظَائِمِ الْمُنْكَرَاتِ كَمَا يَأْتِي فَظَهَرَ مَا ذَكَرْته فِي التَّرْجَمَةِ، ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ صَرَّحَ بِهِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا السُّكُوتُ عَلَى الْغِيبَةِ - رِضًا بِهَا - مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى دَفْعِهَا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا، نَعَمْ لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهَا فَيَلْزَمُهُ عِنْدَ التَّمَكُّنِ مُفَارَقَةُ الْمُغْتَابِ، وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّ السُّكُوتَ عَلَى الْغِيبَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى دَفْعِهَا كَبِيرَةٌ. انْتَهَى.
وَأَمَّا تَقْرِيرُ الشَّيْخَيْنِ صَاحِبَ الْعُدَّةِ عَلَى أَنَّ الْغِيبَةَ صَغِيرَةٌ وَكَذَا السُّكُوتُ عَلَيْهَا فَاعْتَرَضُوهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مِنْ الصَّغَائِرِ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ، وَقَدْ نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ الْمُفَسِّرُ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ فِي حَدِّ الْكَبِيرَةِ، وَقَدْ غُلِّظَ أَمْرُهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمَنْ تَتَبَّعَ الْأَحَادِيثَ فِيهَا عَلِمَ أَنَّهُمَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا مِنْ الصَّغَائِرِ غَيْرَ الْغَزَالِيِّ وَصَاحِبَ الْعُدَّةِ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُ أَطْلَقَ أَنَّ تَرْكَ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَكُونَ السُّكُوتُ عَنْ النَّهْيِ عَنْهَا مِنْ الْكَبَائِرِ إذْ هِيَ مِنْ أَقْبَحِ الْمُنْكَرَاتِ لَا سِيَّمَا غِيبَةُ الْأَوْلِيَاءِ وَأَهْلِ الْكَرَامَاتِ، وَأَقَلُّ الدَّرَجَاتِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ إجْمَاعٌ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ غِيبَةٍ وَغِيبَةٍ، فَإِنَّ مَرَاتِبَهَا وَمَفَاسِدَهَا وَالتَّأَذِّي بِهَا يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا بِحَسَبِ خِفَّتِهَا، وَثِقَلِهَا وَإِيذَائِهَا، وَقَدْ قَالُوا إنَّهَا ذِكْرُ الْإِنْسَانِ بِمَا فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ خُلُقِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ خَادِمِهِ أَوْ مَمْلُوكِهِ أَوْ عِمَامَتِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ مَشْيِهِ أَوْ حَرَكَتِهِ وَبَشَاشَتِهِ وَخَلَاعَتِهِ وَعُبُوسَتِهِ وَطَلَاقَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ.
فَأَمَّا الْبَدَنُ: فَكَقَوْلِهِ أَعْمَى أَعْرَجُ أَعْمَشُ أَقْرَعُ قَصِيرٌ طَوِيلٌ أَسْوَدُ أَصْفَرُ.
وَأَمَّا الدِّينُ فَكَقَوْلِك فَاسِقٌ سَارِقٌ خَائِنٌ ظَالِمٌ مُتَهَاوَنٌ بِالصَّلَاةِ مُتَسَاهِلٌ فِي النَّجَاسَاتِ لَيْسَ بَارًّا بِوَالِدِيهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ ذِكْرُهُ؛ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِيذَاءَ وَالتَّأَذِّي يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا بِاخْتِلَافِ الْغِيبَةِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ، فَيَقْرُبُ أَنْ يُقَالَ ذِكْرُ الْأَعْرَجِ وَالْأَعْمَشِ وَالْأَصْفَرِ وَالْأَسْوَدِ وَعَيْبِ الْعِمَامَةِ وَالْمَلْبُوسِ وَالدَّابَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الصَّغَائِرِ لِخِفَّةِ التَّأَذِّي بِالْوَصْفِ بِهَا بِخِلَافِ الْوَصْفِ بِالْفِسْقِ وَالْفُجُورِ وَالظُّلْمِ وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَالتَّهَاوُنِ بِالصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عَظَائِمِ الْمَعَاصِي، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُفْصَلَ سَدًّا لِلْبَابِ كَمَا فِي الْخَمْرِ وَيُقَالُ لِلْغِيبَةِ حَلَاوَةٌ كَحَلَاوَةِ التَّمْرِ وَضَرَاوَةٌ كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ، عَافَانَا اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - مِنْهَا وَقَضَى عَنَّا حُقُوقَ أَرْبَابِهَا فَلَا يُحْصِيهِمْ غَيْرُهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْكَلَامَ حَيْثُ لَا سَبَبَ يُبِيحُهَا أَوْ يُوجِبُهَا بَلْ تَفَكُّهًا أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute