دُعَاةٌ إلَيْهَا وَلَوْ سِرًّا فَيَجُوزُ إجْمَاعًا بَلْ يَجِبُ وَكَأَنْ يُشِيرَ وَإِنْ لَمْ يُسْتَشَرْ عَلَى مُرِيدِ تَزَوُّجٍ أَوْ مُخَالَطَةٍ لِغَيْرِهِ فِي أَمْرٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ، وَقَدْ عَلِمَ فِي ذَلِكَ الْغَيْرِ قَبِيحًا مُنَفِّرًا كَفِسْقٍ أَوْ بِدْعَةٍ أَوْ طَمَعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَفَقْرٍ فِي الزَّوْجِ لِمَا يَأْتِي فِي مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِتَرْكِ تَزْوِيجِهِ أَوْ مُخَالَطَتِهِ، ثُمَّ إنْ اكْتَفَى بِنَحْوِ لَا يَصْلُحُ لَك لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى ذِكْرِ عَيْبٍ ذَكَرَهُ، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ أَوْ عَيْبَيْنِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا وَهَكَذَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَإِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ فَلَا يَجُوزُ تَنَاوُلُ شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ. نَعَمْ الشَّرْطُ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ بَذْلَ النَّصِيحَةِ لِوَجْهِ اللَّهِ - تَعَالَى - دُونَ حَظٍّ آخَرَ، وَكَثِيرًا مَا يَغْفُلُ الْإِنْسَانُ عَنْ ذَلِكَ فَيُلَبِّسُ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ وَيَحْمِلُهُ عَلَى التَّكَلُّمِ بِهِ حِينَئِذٍ لَا نُصْحًا وَيُزَيِّنُ لَهُ أَنَّهُ نُصْحٌ وَخَيْرٌ.
وَمِنْ هَذَا أَنْ يَعْلَمَ مِنْ ذِي وِلَايَةٍ قَادِحًا فِيهَا كَفِسْقٍ أَوْ تَغَفُّلٍ فَيَجِبُ ذِكْرُ ذَلِكَ لِمَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى عَزْلِهِ وَتَوْلِيَةِ غَيْرِهِ أَوْ عَلَى نُصْحِهِ وَحَثِّهِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ. الْخَامِسُ: أَنْ يَتَجَاهَرَ بِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ كَالْمَكَّاسِينَ وَشَرَبَةِ الْخَمْرِ ظَاهِرًا وَذَوِي الْوِلَايَاتِ الْبَاطِلَةِ، فَيَجُوزُ ذِكْرُهُمْ بِمَا تَجَاهَرُوا بِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَحْرُمُ ذِكْرُهُمْ بِعَيْبٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ مِمَّا مَرَّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي أَذْكَارِ النَّوَوِيِّ مِمَّا يُبَاحُ مِنْ الْغِيبَةِ أَنْ يَكُونَ مُجَاهِرًا بِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ كَالْمُجَاهَرَةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَمُصَادَرَةِ النَّاسِ وَأَخْذِ الْمَكْسِ وَجِبَايَةِ الْأَمْوَالِ ظُلْمًا، فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِمَا تَجَاهَرَ بِهِ وَيَحْرُمُ ذِكْرُهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ. انْتَهَى.
وَهُوَ مُتَابِعٌ فِي ذَلِكَ لَلْغَزَالِيِّ وَفِي الْجَوَازِ لَا لِغَرَضِ شَرْعِيٍّ وَإِطْلَاقُ كَثِيرِينَ يَأْبَاهُ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي كَلَامُ الْقَفَّالِ فِي ذَلِكَ بِمَا فِيهِ. السَّادِسُ: التَّعْرِيفُ بِنَحْوِ لَقَبٍ كَالْأَعْوَرِ وَالْأَعْمَشِ وَالْأَصَمِّ وَالْأَقْرَعِ فَيَجُوزُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَعْرِيفُهُ بِغَيْرِهِ تَعْرِيفَهُ بِهِ عَلَى جِهَةِ التَّعْرِيفِ لَا التَّنْقِيصِ وَالْأَوْلَى بِغَيْرِهِ إنْ سَهُلَ، وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ السِّتَّةِ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ لَهَا مِنْ السُّنَّةِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ كَاَلَّذِي اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «ائْذَنُوا لَهُ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي جَوَازِ غِيبَةِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَأَهْلِ الرِّيَبِ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ خَبَرَ: «مَا أَظُنُّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئًا» ، قَالَ اللَّيْثُ: كَانَا مُنَافِقَيْنِ هُمَا مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيُّ وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيّ.
قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ أَبَا جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةَ خَطَبَانِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute