غَيْرِهَا.
وَتَأَمَّلْ خَبَرَ: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنْ الْمُسْلِمِ دَمَهُ وَمَالَهُ، وَأَنْ تَظُنَّ بِهِ السُّوءَ» . فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَسُوغُ لَك ظَنُّ السُّوءِ بِهِ إلَّا مَا يَسُوغُ لَك أَخْذُ مَالِهِ مِنْ يَقِينِ مُشَاهَدَةٍ أَوْ بَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ، وَإِلَّا فَبَالِغْ فِي دَفْعِ الظَّنِّ عَنْك مَا أَمْكَنَك لِاحْتِمَالِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَأَمَارَةُ سُوءِ الظَّنِّ الْمُحَقَّقَةِ لَهُ أَنْ يَتَغَيَّرَ قَلْبُك عَلَيْهِ عَمَّا كَانَ فَتَنْفِرَ عَنْهُ وَتَسْتَثْقِلَهُ وَتَفْتُرَ عَنْ مُرَاعَاتِهِ.
وَفِي الْخَبَرِ: «ثَلَاثٌ فِي الْمُؤْمِنِ وَلَهُ مِنْهُنَّ مَخْرَجٌ، فَمَخْرَجُهُ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ أَنْ لَا يُحَقِّقَهُ» . أَيْ لَا يُحَقِّقُ مُقْتَضَاهُ فِي نَفْسِهِ بِعَقْدِ الْقَلْبِ بِتَغْيِيرِهِ إلَى النُّفْرَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَلَا بِفِعْلِ الْجَوَارِحِ بِإِعْمَالِهَا بِمُوجِبِهِ، وَالشَّيْطَانُ قَدْ يُقَرِّرُ عَلَى الْقَلْبِ بِأَدْنَى مُخْيَلَةٍ مَسَاءَةَ النَّاسِ، وَيُلْقِي إلَيْهِ أَنَّ هَذَا مِنْ مَزِيدِ فِطْنَتِك وَسُرْعَةِ تَنَبُّهِك، وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ وَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ نَاظِرٌ بِنُورِ الشَّيْطَانِ وَظُلْمَتِهِ، وَإِذَا أَخْبَرَك عَدْلٌ فَمِلْت إلَى تَصْدِيقِهِ أَوْ تَكْذِيبِهِ كُنْت جَانِيًا عَلَى أَحَدِهِمَا بِاعْتِقَادِ السُّوءِ فِي الْمُخْبَرِ عَنْهُ أَوْ الْكَذِبِ فِي الْمُخْبِرِ.
فَعَلَيْك أَنْ تَبْحَثَ هَلْ ثَمَّ تُهْمَةٌ فِي الْمُخْبِرِ بِنَحْوِ عَدَاوَةِ بَيْنَهُمَا فَإِنْ وَجَدْتهَا فَتَوَقَّفَ وَابْقَ الْمُخْبِرِ عَنْهُ عَلَى مَا كَانَ عِنْدَك مِنْ عَدَمِ ظَنِّ السُّوءِ، وَلَا تُصْغِ لِمَنْ دَأْبُهُ الْكَلَامُ فِي النَّاسِ مُطْلَقًا. وَيَنْبَغِي لَك إذَا وَرَدَ عَلَيْك خَاطِرُ سُوءٍ بِمُسْلِمٍ أَنْ تُبَادِرَ بِالدُّعَاءِ لَهُ بِالْخَيْرِ؛ لِتَغِيظَ الشَّيْطَانَ، وَتَقْطَعَ عَنْهُ إلْقَاءَهُ إلَيْك ذَلِكَ مِنْ دُعَائِك لَهُ. وَإِذَا عَرَفْت هَفْوَةَ مُسْلِمٍ أَنْ تَنْصَحَهُ سِرًّا قَاصِدًا تَخْلِيصَهُ مِنْ الْإِثْمِ مُظْهِرًا لِحُزْنِك عَلَى مَا أَصَابَهُ كَمَا تَحْزَنُ لَوْ أَصَابَك لِتَجْمَعَ بَيْنَ أَجْرِ الْوَعْظِ وَأَجْرِ الْهَمِّ وَالْإِعَانَةِ لَهُ عَلَى دِينِهِ. وَمِنْ ثَمَرَاتِ سُوءِ الظَّنِّ التَّجَسُّسُ فَإِنَّ الْقَلْبَ لَا يَقْنَعُ بِالظَّنِّ بَلْ يَطْلُبُ الْيَقِينَ فَيَتَجَسَّسُ، وَمَرَّ النَّهْيُ عَنْ التَّجَسُّسِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَتْرُكَ الْخَلْقَ تَحْتَ سَرِيرَتِهِمْ فَيُتَوَصَّلُ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا لَوْ دَامَ سِتْرُهُ عَنْك كَانَ أَسْلَمَ لِقَلْبِك وَدِينِك، وَجَمَعَ مَعَ الْغِيبَةِ سُوءَ الظَّنِّ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّلَازُمِ غَالِبًا.
وَمِنْهَا: يَجِبُ عَلَى الْمُغْتَابِ أَنْ يُبَادِرَ إلَى التَّوْبَةِ بِشُرُوطِهَا فَيُقْلِعَ وَيَنْدَمَ خَوْفًا مِنْ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لِيُخْرِجَ مِنْ حَقِّهِ ثُمَّ يَسْتَحِلَّ الْمُغْتَابَ خَوْفًا أَيْضًا لِيَحِلَّهُ فَيَخْرُجَ عَنْ مَظْلِمَتِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَكْفِيهِ الِاسْتِغْفَارُ عَنْ الِاسْتِحْلَالِ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ: «كَفَّارَةُ مَنْ اغْتَبْتَهُ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُ» . وَقَالَ الْحَسَنُ: كَفَّارَةُ ذَلِكَ أَنْ تُثْنِيَ عَلَيْهِ وَتَدْعُوَ لَهُ بِالْخَيْرِ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِحْلَالِ، وَزَعْمُ أَنَّ الْعِرْضَ لَا عِوَضَ لَهُ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِحْلَالُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمَالِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ وَجَبَ فِي الْعِرْضِ حَدُّ الْقَذْفِ. قِيلَ بَلْ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْأَمْرُ بِالِاسْتِحْلَالِ مِنْ الْمَظَالِمِ قَبْلَ يَوْمٍ لَا دِرْهَمٌ فِيهِ وَلَا دِينَارٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute