وَرَوَى كَعْبٌ: أَنَّهُ أَصَابَ بَنِي إسْرَائِيلَ قَحْطٌ، فَاسْتَسْقَى مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ - مَرَّاتٍ فَمَا أُجِيبَ، فَأَوْحَى اللَّهُ - تَعَالَى - إلَيْهِ أَنِّي لَا أَسْتَجِيبُ لَك وَلَا لِمَنْ مَعَك وَفِيكُمْ نَمَّامٌ قَدْ أَصَرَّ عَلَى النَّمِيمَةِ. فَقَالَ مُوسَى يَا رَبِّ مَنْ هُوَ حَتَّى نُخْرِجَهُ مِنْ بَيْنِنَا؟ فَقَالَ يَا مُوسَى: أَنْهَاكُمْ عَنْ النَّمِيمَةِ وَأَكُونُ نَمَّامًا فَتَابُوا بِأَجْمَعِهِمْ فَسُقُوا.
وَزَارَ بَعْضَ السَّلَفِ أَخُوهُ فَنَمَّ لَهُ عَنْ صَدِيقِهِ. فَقَالَ لَهُ يَا أَخِي أَطَلْت الْغَيْبَةَ وَجِئْتَنِي بِثَلَاثِ جِنَايَاتٍ: بَغَّضْت إلَيَّ أَخِي، وَشَغَلْت قَلْبِي بِسَبَبِهِ، وَاتَّهَمْت نَفْسَك الْأَمِينَةَ. وَقِيلَ مَنْ أَخْبَرَك بِشَتْمِ غَيْرِك لَك فَهُوَ الشَّاتِمُ لَك، وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَنَمَّ لَهُ عَنْ شَخْصٍ فَقَالَ اذْهَبْ بِنَا إلَيْهِ فَذَهَبَ مَعَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ يَنْتَصِرُ لِنَفْسِهِ، فَلَمَّا وَصَلَ إلَيْهِ قَالَ يَا أَخِي إنْ كَانَ مَا قُلْت فِي حَقًّا يَغْفِرُ اللَّهُ لِي، وَإِنْ كَانَ مَا قُلْت فِي بَاطِلًا يَغْفِرُ اللَّهُ لَك. وَيُقَالُ: عَمَلُ النَّمَّامِ أَضَرُّ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّ عَمَلَ الشَّيْطَانِ بِالْوَسْوَسَةِ، وَعَمَلَ النَّمَّامِ بِالْمُوَاجَهَةِ، وَنُودِيَ عَلَى عَبْدٍ يُرَادُ بَيْعُهُ لَيْسَ بِهِ عَيْبٌ إلَّا أَنَّهُ نَمَّامٌ، فَاشْتَرَاهُ مَنْ اسْتَخَفَّ بِهَذَا الْعَيْبِ فَلَمْ يَمْكُثْ عِنْدَهُ أَيَّامًا حَتَّى نَمَّ لِزَوْجَتِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ التَّزَوُّجَ أَوْ التَّسَرِّيَ وَأَمَرَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْمُوسَى وَتَحْلِقَ بِهَا شَعَرَاتٍ مِنْ حَلْقِهِ لِيَسْحَرَهُ لَهَا فِيهِنَّ، فَصَدَّقَتْهُ وَعَزَمَتْ عَلَى ذَلِكَ فَجَاءَ إلَيْهِ وَنَمَّ لَهُ عَنْهَا أَنَّهَا اتَّخَذَتْ لَهَا خِدْنًا أَحَبَّتْهُ وَتُرِيدُ ذَبْحَك اللَّيْلَةَ فَتَنَاوَمْ لِتَرَى ذَلِكَ فَصَدَّقَهُ فَتَنَاوَمَ فَجَاءَتْ لِتَحْلِقَ فَقَالَ صَدَقَ الْغُلَامُ، فَلَمَّا هَوَتْ إلَى حَلْقِهِ أَخَذَ الْمُوسَى مِنْهَا وَذَبَحَهَا بِهِ، فَجَاءَ أَهْلُهَا فَرَأَوْهَا مَقْتُولَةً فَقَتَلُوهُ فَوَقَعَ الْقِتَالُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ بِشُؤْمِ ذَلِكَ النَّمَّامِ.
وَلَقَدْ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى قُبْحِ تَصْدِيقِ النَّمَّامِ وَعَظِيمِ الشَّرِّ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَزَّ قَائِلًا -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] أَوْ فَتَثَبَّتُوا {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: ٦] عَافَانَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ.
تَنْبِيهَاتٌ: مِنْهَا: عَدُّ النَّمِيمَةِ مِنْ الْكَبَائِرِ هُوَ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ السَّابِقُ بِقَوْلِهِ: " بَلَى إنَّهُ كَبِيرٌ " كَمَا مَرَّ فِيهِ. قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ وَأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -. انْتَهَى. وَخَبَرُ: «مَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ» ، أَجَابُوا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا فِي كَبِيرٍ تَرْكُهُ وَالِاحْتِرَازُ عَنْهُ، أَوْ لَيْسَ كَبِيرًا فِي اعْتِقَادِكُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: ١٥] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute