للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُنَافِيهِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ، وَيَجُوزُ مَا عَلَى الْأَرْضِ وَالْبِسَاطُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ كُلِّ مُمْتَهَنٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَقَاؤُهُ وَلَا يَجِبُ إتْلَافُهُ، وَإِذَا كَانَ فِي مَحَلِّ وَلِيمَةٍ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحُضُورِ فِيهِ.

وَأَمَّا فِعْلُ التَّصْوِيرِ لِذِي الرُّوحِ فَهُوَ حَرَامٌ مُطْلَقًا، وَإِنْ أُغْفِلَ مِنْ الصُّورَةِ أَعْضَاؤُهَا الْبَاطِنَةُ أَوْ بَعْضُ الظَّاهِرَةِ مِمَّا تُوجَدُ الْحَيَاةُ مَعَ فَقْدِهِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته حَيْثُ قَالَ مَا حَاصِلُهُ: تَصْوِيرُ صُورَةِ الْحَيَوَانِ حَرَامٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لِلْوَعِيدِ الشَّدِيدِ سَوَاءٌ صَنَعَهُ لِمَا يُمْتَهَنُ أَوْ لِغَيْرِهِ إذْ فِيهِ مُضَاهَاةٌ لِخَلْقِ اللَّهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِبِسَاطٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ أَوْ فَلْسٍ أَوْ إنَاءٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ مِخَدَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا. وَأَمَّا تَصْوِيرُ صُوَرِ الشَّجَرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ. وَأَمَّا الْمُصَوِّرُ صُورَةَ الْحَيَوَانِ فَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى حَائِطٍ أَوْ مَلْبُوسًا كَثَوْبٍ أَوْ عِمَامَةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَا يُعَدُّ مُمْتَهَنًا فَحَرَامٌ، أَوْ مُمْتَهَنًا كَبِسَاطٍ يُدَاسُ وَمِخَدَّةٍ وَوِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا يَحْرُمُ لَكِنْ هَلْ يَمْنَعُ دُخُولَ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ ذَلِكَ الْبَيْتِ؟ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ صُورَةٍ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا لَهُ ظِلٌّ وَمَا لَا ظِلَّ لَهُ، هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِ جُمْهُورِ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ تَغْيِيرِ مَا لَهُ ظِلٌّ. قَالَ الْقَاضِي: إلَّا مَا وَرَدَ فِي لَعِبِ الْبَنَاتِ الصِّغَارِ مِنْ الرُّخْصَةِ، وَلَكِنْ كَرِهَ مَالِكٌ شِرَاءَ الرَّجُلِ ذَلِكَ لِبِنْتِهِ، وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ إبَاحَةَ اللَّعِبِ لَهُنَّ بِهَا مَنْسُوخٌ بِمَا مَرَّ.

فَائِدَةٌ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ» . الْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ فِيهِ مَلَائِكَةُ الْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ دُونَ الْحَفَظَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ لِأَجْلِ ذَلِكَ. قِيلَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجُنُبِ مِنْ يُؤَخِّرُ الْغُسْلَ إلَى حُضُورِ الصَّلَاةِ فَيَغْتَسِلُ، بَلْ مَنْ يَتَهَاوَنُ بِالْغُسْلِ وَيَتَّخِذُ ذَلِكَ عَادَةً فَإِنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، فَفِيهِ تَأْخِيرُ الِاغْتِسَالِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِ وُجُوبِهِ، بَلْ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً» ، وَالْمُرَادُ بِالصُّورَةِ كُلُّ مُصَوَّرٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ سَوَاءٌ كَانَتْ أَشْخَاصًا مُنْتَصِبَةً أَوْ كَانَتْ مَنْقُوشَةً وَفِي سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ مَنْسُوجَةٍ فِي ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الَّذِي لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ لِأَجْلِهِ، وَيَنْقُصُ بِسَبَبِ اقْتِنَائِهِ مِنْ عَمَلِ الْمُقْتَنِي لَهُ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ غَيْرُ كَلْبِ الصَّيْدِ وَالْحِرَاسَةِ كَذَا قِيلَ وَهُوَ قَاصِرٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي نَفْسِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>