وَأَبُو يَعْلَى: ` «أَنَّ بُرْغُوثًا لَدَغَتْ رَجُلًا فَلَعَنَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَلْعَنْهَا فَإِنَّهَا نَبَّهَتْ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لِلصَّلَاةِ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَزَّارِ: «لَا تَسُبَّهُ فَإِنَّهُ أَيْقَظَ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ» . وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ «عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - قَالَ: نَزَلْنَا مَنْزِلًا فَآذَتْنَا الْبَرَاغِيثُ فَسَبَبْنَاهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَسُبُّوهَا فَنِعْمَتْ الدَّابَّةُ فَإِنَّهَا أَيْقَظَتْكُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى -» . وَصَحَّ «أَنَّ رَجُلًا لَعَنَ الرِّيحَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا تَلْعَنْ الرِّيحَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتْ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ» .
تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لِلْحُكْمِ فِيهِ عَلَى سِبَابِ الْمُسْلِمِ بِأَنَّهُ فِسْقٌ. وَأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَكَةِ وَأَنَّ فَاعِلَهُ شَيْطَانٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَعَلَى لَعْنِ الْوَالِدَيْنِ بِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَلِذَا أَفْرَدْته بِالذِّكْرِ وَإِنْ دَخَلَ فِي سِبَابِ الْمُسْلِمِ أَوْ لَعْنِهِ، وَعَلَى أَنَّ لَعْنَ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ وَعَلَى أَنَّ مَنْ لَعَنَ أَخَاهُ أَتَى بَابًا مِنْ الْكَبَائِرِ، وَعَلَى أَنَّ اللَّعْنَةَ تَرْجِعُ إلَى قَائِلِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَعَلَى أَنَّ اللَّعَّانَ لَا يَكُونُ شَفِيعًا وَلَا شَهِيدًا وَلَا صِدِّيقًا وَهَذَا كُلُّهُ غَايَةٌ فِي الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، فَظَهَرَ بِهِ مَا ذَكَرْته مِنْ عَدِّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَذَلِكَ وَبِهِ فِي الْأَوَّلِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ خِلَافُهُ.
وَحَمَلُوا حَدِيثَ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ» عَلَى مَا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ بِحَيْثُ يَغْلِبُ طَاعَتَهُ، وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ فَهِيَ ظَاهِرُ قَوْلِ شَرْحِ مُسْلِمٍ: «لَعْنُ الْمُسْلِمِ كَقَتْلِهِ» : أَيْ فِي الْإِثْمِ، وَاسْتُفِيدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي لَعْنِ الدَّوَابِّ أَنَّهُ حَرَامٌ وَبِهِ صَرَّحَ أَئِمَّتُنَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ؛ وَمُعَاتَبَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ لَعَنَتْ نَاقَتَهَا بِتَرْكِهَا لَهَا تَعْزِيرًا وَتَأْدِيبًا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُجَرَّدُ كَبِيرَةٍ، سِيَّمَا وَقَدْ عَلَّلَ الْأَمْرَ بِالتَّرْكِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بِأَنَّ دَعْوَتَهُ بِاللَّعْنِ عَلَى دَابَّتِهِ أُجِيبَتْ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي رِيَاضِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ: «خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ» ، وَحَدِيثَ: «لَا تُصَاحِبْنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ» . قَدْ يُسْتَشْكَلُ مَعْنَاهُ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ، بَلْ الْمُرَادُ النَّهْيُ لَنْ تُصَاحِبْهُمْ تِلْكَ النَّاقَةُ وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ بَيْعِهَا وَذَبْحِهَا وَرُكُوبِهَا فِي غَيْرِ صُحْبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ وَمَا سِوَاهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ جَائِزٌ لَا مَنْعَ مِنْهُ إلَّا مِنْ مُصَاحَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ كُلَّهَا كَانَتْ جَائِزَةً فَمَنَعَ بَعْضٌ مِنْهَا فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى مَا كَانَ. اهـ.
ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ صَرَّحَ بِأَنَّ لَعْنَ الدَّابَّةِ وَالذِّمِّيِّ الْمُعَيَّنَيْنِ كَبِيرَةٌ، وَقَيَّدَ حُرْمَةَ لَعْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute