جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا مُتَرَتِّبًا عَلَى الْقَتْلِ الْعَمْدِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّرَتُّبِ الْوُقُوعُ أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ قُلْت: إنْ جِئْتنِي أَكْرَمْتُك لَمْ تَكُنْ مَرِيدًا بِهِ إلَّا أَنَّ الْإِكْرَامَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الْمَجِيءِ فَإِذَا حَصَلَ الْمَجِيءُ فَقَدْ يَقَعُ الْإِكْرَامُ وَقَدْ لَا، وَهَذَا لِكَوْنِهِ قَرِيبًا مِمَّا أَجَبْت بِهِ أَيْضًا أَوَّلًا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ مَقَالَةِ الْوَاحِدِيِّ وَغَيْرِهِ السَّابِقَةِ، وَيَكُونُ مَعْنَى الْخَلْفِ أَنَّ ذَلِكَ التَّرْتِيبَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ قَدْ يَحْصُلُ إنْ لَمْ يَقَعْ عَفْوٌ وَنَحْوُهُ، وَقَدْ لَا إنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْخَلْفِ بِهَذَا الْمَعْنَى خَلْفٌ فِي الْخَبَرِ، وَلَا يُوهِمُ دُخُولَ الْخَلْفِ فِي خَبَرِ اللَّهِ - تَعَالَى -.
ثُمَّ رَأَيْت الْفَخْرَ الرَّازِيَّ أَجَابَ بِمَا يَرْجِعُ لِمَا ذَكَرْته أَوَّلًا وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَخْصُوصَةٌ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ غَيْرَ عُدْوَانٍ كَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ فِيهِ هَذَا الْوَعِيدُ أَلْبَتَّةَ. وَالثَّانِي: الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ إذَا تَابَ مِنْهُ لَا يَحْصُلُ فِيهِ هَذَا الْوَعِيدُ وَإِذَا دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فَيَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ فِيمَا إذَا حَصَلَ الْعَفْوُ عَنْهُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] . فَإِنْ قُلْت: مَا ذَكَرُوهُ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَهُوَ أَنَّ الْقَاتِلَ هَلْ لَهُ تَوْبَةٌ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَمْ لَا؟ فَكَيْفَ صَحَّ لَهُ الْجَوَابُ بِذَلِكَ؟ قُلْت: لِأَنَّ السُّنَّةَ لَمَّا صَرَّحَتْ بِذَلِكَ وَجَبَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الْمُخَالِفِينَ فِي ذَلِكَ لِضَعْفِ شُبْهَتِهِمْ وَسَفْسَافِ طَرِيقَتِهِمْ.
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ - أَيْ الْمُهْلِكَاتِ - قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» . وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَبَائِرَ فَقَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ» . الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ «ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute