عَلَيْهِ الْكَرِشُ وَالتُّرَابُ وَآذَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْمُرَادَ عِصْمَةُ النَّفْسِ عَنْ الِافْتِلَاتِ دُونَ الْعَوَارِضِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْبَدَنِ مَعَ سَلَامَةِ النَّفْسِ.
وَهَذَا أَوْلَى بَلْ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحْرَسُ فَلَمَّا نَزَلَتْ الْآيَةُ أَمَرَ بِتَرْكِ الْحَرْسِ. ثُمَّ السِّحْرُ عَلَى أَقْسَامٍ: أَوَّلُهَا: سِحْرُ الْكَسَدَانِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا الْمُدَبِّرَةُ لِلْعَالَمِ، وَمِنْهَا يَصْدُرُ كُلُّ مَظْهَرِ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَهُمْ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِمْ إبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَسَلَّمَ مُبْطِلًا مَقَالَتَهُمْ وَرَادًّا عَلَيْهِمْ وَهُمْ ثَلَاثُ فِرَقٍ: الْأُولَى: الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْأَفْلَاكَ وَالْكَوَاكِبَ وَاجِبَةُ الْوُجُودِ لِذَوَاتِهَا غَنِيَّةٌ عَنْ مُوجِدٍ وَمُدَبِّرٍ وَخَالِقٍ وَهِيَ الْمُدَبِّرَةُ لِعَالَمِ الْكَوْنِ وَالْفَسَادِ وَهُمْ الصَّابِئَةُ الدَّهْرِيَّةُ. وَالثَّانِيَةُ: الْقَائِلُونَ بِإِلَهِيَّةِ الْأَفْلَاكِ زَعَمُوا أَنَّهَا هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ لِلْحَوَادِثِ بِاسْتِدَارَتِهَا وَتَحَرُّكِهَا فَعَبَدُوهَا وَعَظَّمُوهَا وَاِتَّخَذُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا هَيْكَلًا مَخْصُوصًا وَصَنَمًا مُعَيَّنًا وَاشْتَغَلُوا بِخِدْمَتِهَا فَهَذَا دِينُ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ.
وَالثَّالِثَةُ: أَثْبَتُوا لِهَذِهِ النُّجُومِ وَالْأَفْلَاكِ فَاعِلًا مُخْتَارًا أَوْجَدَهَا بَعْدَ الْعَدَمِ إلَّا أَنَّهُ - تَعَالَى - أَعْطَاهَا قُوَّةً غَالِبَةً نَافِذَةً فِي هَذَا الْعَالَمِ وَفَوَّضَ تَدْبِيرَهُ إلَيْهَا. النَّوْعُ الثَّانِي: سِحْرُ أَصْحَابِ الْأَوْهَامِ وَالنُّفُوسِ الْقَوِيَّةِ. الثَّالِثُ: الِاسْتِعَانَةُ بِالْأَرْوَاحِ الْأَرْضِيَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْجِنِّ مِمَّا أَنْكَرَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَأَمَّا أَكَابِرُ الْفَلَاسِفَةِ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ إلَّا أَنَّهُمْ سَمَّوْهُمْ الْأَرْوَاحَ الْأَرْضِيَّةَ وَهِيَ فِي نَفْسِهَا مُخْتَلِفَةٌ، مِنْهَا خَيِّرَةٌ وَهُمْ مُؤْمِنُوهُمْ وَشِرِّيرَةٌ وَهُمْ كُفَّارُهُمْ.
الرَّابِعُ: التَّخْيِيلَاتُ وَالْأَخْذُ بِالْعُيُونِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَخْلَاطَ الْبَصَرِ كَثِيرَةٌ، فَإِنَّ رَاكِبَ السَّفِينَةِ يَنْظُرُهَا وَاقِفَةً وَالشَّطَّ مُتَحَرِّكًا وَالْمُتَحَرِّكُ يُرَى سَاكِنًا، وَالْقَطْرَةُ النَّازِلَةُ تُرَى خَطًّا مُسْتَقِيمًا، وَالذُّبَالَةُ تُدَارُ بِسُرْعَةٍ تُرَى دَائِرَةً وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. الْخَامِسُ: الْأَعْمَالُ الْعَجِيبَةُ الَّتِي تَظْهَرُ مِنْ تَرْكِيبِ الْآلَاتِ عَلَى النِّسَبِ الْهَنْدَسِيَّةِ مِثْلَ صُورَةِ فَرَسٍ فِي يَدِهِ بُوقٌ فَإِذَا مَضَتْ سَاعَةٌ مِنْ النَّهَارِ صَوَّتَ الْبُوقُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute