الْخِلَافِ كَمَا مَرَّ، وَأَيُّ دَلِيلٍ قَامَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ كَالشَّعْبَذَةِ وَالْآلَاتِ الْعَجِيبَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْهَنْدَسَةِ وَأَنْوَاعِ التَّخْوِيفِ وَالتَّقْرِيعِ وَالْوَهْمِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَلْ يُسْأَلُ السَّاحِرُ حِلَّ السِّحْرِ عَنْ الْمَسْحُورِ؟ قَالَ الْبُخَارِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قِيلَ يَجُوزُ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْمَازِرِيُّ، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَا بَأْسَ بِالنُّشْرَةِ. قَالَ: ابْنُ بَطَّالٍ: وَفِي كِتَابِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنْ يَأْخُذَ سَبْعَ وَرَقَاتٍ مِنْ سِدْرٍ أَخْضَرَ فَيَدُقَّهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ ثُمَّ يَضْرِبَهُ بِالْمَاءِ وَيَقْرَأَ عَلَيْهِ آيَةَ الْكُرْسِيِّ ثُمَّ يَحْسُوَ مِنْهُ ثَلَاثَ حَسَوَاتٍ وَيَغْتَسِلَ بِهِ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ عَنْهُ مَا بِهِ إنْ شَاءَ - تَعَالَى - وَهُوَ جَيِّدٌ لِلرَّجُلِ إذْ حُبِسَ عَنْ أَهْلِهِ. قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} [البقرة: ١٠٢] فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَظْهَرُهَا أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ عَطْفًا عَلَى السِّحْرِ: أَيْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَالْمُنَزَّلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ، وَقِيلَ نَافِيَةٌ: أَيْ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ إبَاحَةُ السِّحْرِ، وَقِيلَ مَوْصُولَةٌ مَحَلُّهَا جُرَّ عَطْفًا عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ؛ لِأَنَّ عَطْفَهَا عَلَى السِّحْرِ يَقْتَضِي أَنَّ السِّحْرَ نَازِلٌ عَلَيْهِمَا، فَيَكُونُ مُنْزِلُهُ هُوَ اللَّهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يُبْعَثُوا لِتَعْلِيمِ السِّحْرِ فَالْمَلَائِكَةُ أَوْلَى، وَكَيْفَ يُضَافُ إلَى اللَّهِ مَا هُوَ كُفْرٌ؟ وَإِنَّمَا يُضَافُ لِلْمَرَدَةِ وَالْكَفَرَةِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّ الشَّيَاطِينَ نَسَبُوا السِّحْرَ إلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَالْمُنَزَّلِ عَلَى الْمَلَكَيْنِ مَعَ أَنَّ مُلْكَهُ وَالْمُنَزَّلَ عَلَيْهِمَا بَرِيئَانِ مِنْ السِّحْرِ بَلْ الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِمَا هُوَ الشَّرْعُ وَالدِّينُ. وَكَانَا يُعَلِّمَانِ النَّاسَ قَبُولَهُ وَالتَّمَسُّكَ بِهِ، فَكَانَتْ طَائِفَةٌ تَتَمَسَّكُ وَأُخْرَى تُخَالِفُ. انْتَهَى.
وَاعْتَرَضَهُ الْفَخْرُ بِأَنَّ عَطْفَهُ عَلَى " مُلْكٍ " بَعِيدٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ. وَزَعَمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَازِلًا عَلَيْهِمَا لَكَانَ مُنْزِلُهُ هُوَ اللَّهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ صِفَةِ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ لِأَجْلِ التَّرْغِيبِ فِيهِ حَتَّى يُوجِدَهُ الْمُكَلِّفُ، وَقَدْ يَكُونُ لِأَجْلِ التَّنْفِيرِ عَنْهُ حَتَّى يُحْتَرَزُ عَنْهُ كَمَا قِيلَ: عَرَفْت الشَّرَّ لَا لِلشَّرِّ بَلْ لِتَوَقِّيهِ. وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْثَةُ الْأَنْبِيَاءِ لِتَعْلِيمِهِ لَا يُؤَثِّرُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا تَعْلِيمُ فَسَادِهِ وَإِبْطَالِهِ، وَزَعْمُ أَنَّ تَعْلِيمَهُ كُفْرٌ مَمْنُوعٌ، وَبِتَسْلِيمِهِ هِيَ وَاقِعَةُ حَالٍ يَكْفِي فِي صِدْقِهَا صُورَةٌ وَاحِدَةٌ، وَزَعْمُ أَنَّهُ إنَّمَا يُضَافُ لِلْمَرَدَةِ وَالْكَفَرَةِ إنَّمَا يَصِحُّ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْعَمَلُ لَا التَّعْلِيمُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَتَعْلِيمُهُ لِغَرَضِ التَّنْبِيهِ عَلَى فَسَادِهِ مَأْمُورٌ بِهِ، وَمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُمَا مَلَكَانِ هُوَ الْأَصَحُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ.
وَقُرِئَ شَاذًّا بِكَسْرِ اللَّامِ فَيَكُونَانِ إنْسِيَّيْنِ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ، وَالْبَاءُ فِي بِبَابِلَ مَعْنًى فِي،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute