بَعَثْتُك لِتَرُدَّ عَنِّي دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنِّي لَا أَرُدُّهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ كَافِرٍ. وَعَلَى الْعَاقِلِ مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَاعَاتٌ: سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٌ يَتَفَكَّرُ فِيهَا فِي صُنْعِ اللَّهِ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ مِنْ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ. وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَكُونَ ظَاعِنًا إلَّا لِثَلَاثٍ: تَزَوُّدٍ لِمَعَادٍ أَوْ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِزَمَانِهِ مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ حَافِظًا لِلِسَانِهِ وَمَنْ حَسَبَ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا كَانَتْ صُحُفُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ قَالَ كَانَتْ عِبَرًا كُلَّهَا: عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ كَيْفَ هُوَ ثُمَّ يَفْرَحُ، عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ ثُمَّ هُوَ يَضْحَكُ عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ هُوَ يَنْصَبُ، عَجِبْت لِمَنْ يَرَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا ثُمَّ اطْمَأَنَّ إلَيْهَا، عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ غَدًا ثُمَّ لَا يَعْمَلُ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي، قَالَ: أُوصِيك بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا رَأْسُ الْأَمْرِ كُلِّهِ. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي، قَالَ عَلَيْك بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ نُورٌ لَك فِي الْأَرْضِ وَذِكْرٌ لَك فِي السَّمَاءِ. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي، قَالَ: إيَّاكَ وَكَثْرَةَ الضَّحِكِ فَإِنَّهُ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَذْهَبُ بِنُورِ الْوَجْهِ. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي، قَالَ: عَلَيْك بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي، قَالَ: أَحِبَّ الْمَسَاكِينَ وَجَالِسْهُمْ. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي، قَالَ: اُنْظُرْ إلَى مَنْ هُوَ تَحْتَك وَلَا تَنْظُرُ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَك فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرِيَ نِعْمَةَ اللَّهِ عِنْدَك. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي، قَالَ: قُلْ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي، قَالَ: لَا يَرُدُّك عَنْ النَّاسِ مَا تَعْلَمُهُ عَنْ نَفْسِك وَلَا تَجِدْ عَلَيْهِمْ فِيمَا تَأْتِي، وَكَفَى بِك عَيْبًا أَنْ تَعْرِفَ مِنْ النَّاسِ مَا تَجْهَلَهُ مِنْ نَفْسِك وَتَجِدَ عَلَيْهِمْ فِيمَا تَأْتِيَ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ لَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ، وَلَا وَرَعَ كَالْكَفِّ، وَلَا حُسْنَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عَقِبَ ذِكْرِهِ هَذَا الْحَدِيثَ: انْفَرَدَ بِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ فِي أَوَّلِهِ ذِكْرُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَكَرْت مِنْهُ هَذِهِ الْقِطْعَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْحِكَمِ الْعَظِيمَةِ وَالْمَوَاعِظِ الْجَسِيمَةِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ السُّدِّيِّ الْبَصْرِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ بِنَحْوِهِ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute