للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ كَانَ الْإِيذَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَالْحَبْسُ مُخْتَصًّا بِالْمَرْأَةِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هَذِهِ فِي الْبِكْرِ مِنْهُمَا وَالْأُولَى فِي الثَّيِّبِ. قَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ: فَآذُوهُمَا عَيِّرُوهُمَا بِاللِّسَانِ أَمَا خِفْت اللَّهَ وَنَحْوُهُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَبُّوهُمَا وَاشْتُمُوهُمَا، وَقِيلَ قُولُوا لَهُمَا فَجَرْتُمَا وَفَسَقْتُمَا.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آذُوهُمَا بِالتَّعْيِيرِ وَاضْرِبُوهُمَا بِالنِّعَالِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: ٦٨] {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: ٦٩] {إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: ٧٠] سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ نَاسًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَكْثَرُوا مِنْ الْقَتْلِ وَالزِّنَا، فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ مَا تَدْعُو إلَيْهِ حَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَاهُ كَفَّارَةً فَنَزَلَتْ وَنَزَلَ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣] .

«وَجَاءَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك، قَالَ إنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قَالَ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَك، قَالَ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِك» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقَ ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةَ. وَسَيَأْتِي فِي الْأَحَادِيثِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَيُوَافِقُهُ. وَذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مَا ذُكِرَ فَلِذَلِكَ حَدٌّ. وَالْأَثَامُ: الْعُقُوبَةُ، وَقِيلَ الْإِثْمُ نَفْسُهُ؟ أَيْ مُلَاقٍ جَزَاءَ إثْمٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ اسْمُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ: وَقِيلَ بِئْرٌ فِيهَا. وَيُضَاعَفُ وَيَخْلُدُ بِالرَّفْعِ حَالًا أَوْ اسْتِئْنَافًا وَبِالْجَزْمِ بَدَلٌ مِنْ يَلْقَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ وَمُهَانًا مِنْ أَهَانَهُ أَذَلَّهُ وَأَذَاقَهُ الْهَوَانَ. وَفِيهِ أَيْ الْعَذَابِ أَوْ التَّعْذِيبِ أَوْ تَضْعِيفِهِ، وَسَبَبُ هَذَا التَّضْعِيفِ أَنَّ الْمُشْرِكَ ضَمَّ تِلْكَ الْمَعَاصِيَ إلَى شِرْكِهِ فَعُوقِبَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا.

وَقَالَ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٢] الْجَلْدُ الضَّرْبُ وَأُوثِرَ لِيُفْهَمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ أَنْ يُبَرِّحَ وَلَا يَبْلُغَ اللَّحْمَ، وَالرَّأْفَةُ الرَّحْمَةُ وَالرِّقَّةُ. وَسَبَبُ النَّهْيِ ارْتِكَابُ فَاعِلِهِ لِهَذِهِ الْكَبِيرَةِ الْفَاحِشَةِ بَلْ هِيَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْقَتْلِ كَمَا يَأْتِي، وَمِنْ ثَمَّ قَرَنَهُ تَعَالَى بِالشِّرْكِ وَالْقَتْلِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>