يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فَنَفْيُهُ حَبْسُهُ، وَقِيلَ النَّفْيُ الْحَبْسُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ: قَالُوا: لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ النَّفْيُ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ فَهُوَ مُحَالٌ أَوْ إخْرَاجُهُ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ يُؤْذِيهِمْ أَيْضًا أَوْ مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ فَهُوَ حَمْلٌ لَهُ عَلَى الرِّدَّةِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ يُحْبَسُ وَالْمَحْبُوسُ يُسَمَّى مَنْفِيًّا مِنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْ طَيِّبَاتِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا وَلَا يَجْتَمِعُ بِأَقَارِبِهِ وَأَحِبَّائِهِ فَكَانَ كَالْمَنْفِيِّ حَقِيقَةً، وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا حَبَسُوا صَالِحَ بْنَ عَبْدِ الْقُدُّوسِ عَلَى تُهْمَةِ الزَّنْدَقَةِ فِي حَبْسٍ ضَيِّقٍ وَطَالَ لُبْثُهُ قَالَ:
خَرَجْنَا مِنْ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا ... فَلَسْنَا مِنْ الْمَوْتَى عَلَيْهَا وَلَا الْأَحْيَاءِ
إذْ جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ ... عَجِبْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنْ الدُّنْيَا
" ذَلِكَ " أَيْ الْجَزَاءُ الْمُتَقَدِّمُ " لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ " أَيْ فَضِيحَةٌ وَهَوَانٌ وَعَذَابٌ {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: ٣٣] أَيْ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَدِلَّةٌ أُخْرَى خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ أَيْ الظَّفَرِ بِهِمْ {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} [البقرة: ١٧٣] أَيْ لَهُمْ {رَحِيمٌ} [المائدة: ٣٤] أَيْ بِهِمْ فَيُسْقِطُ عَنْهُمْ عُقُوبَةَ قَطْعِ الطَّرِيقِ. وَقِيلَ: كُلُّ عُقُوبَةٍ وَحَقٍّ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ سَوَاءٌ الدَّمُ وَالْمَالُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ الْمَالُ بِعَيْنِهِ فَيَرُدَّهُ لِصَاحِبِهِ؛ وَقِيلَ كُلُّ عُقُوبَةٍ وَحَقٍّ لِلَّهِ فَقَطْ.
تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ لَكِنْ بِدُونِ الْغَايَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي التَّرْجَمَةِ وَمَا ذَكَرْتُهُ فِيهَا ظَاهِرٌ وَالْآيَةُ نَاصَّةٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ عَلَى كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ السَّابِقَةِ مِنْ الْمُخِيفِ لِلطَّرِيقِ فَقَطْ وَمَا قَبْلَهُ بِالْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابِ الْعَظِيمِ فِي الْآخِرَةِ وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ جِدًّا، ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ صَرَّحَ بِهِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْآيَةَ السَّابِقَةَ: فَبِمُجَرَّدِ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَإِخَافَةِ السَّبِيلِ قَدْ ارْتَكَبَ الْكَبِيرَةَ فَكَيْفَ إذَا أَخَذَ الْمَالَ أَوْ جَرَحَ أَوْ قَتَلَ أَوْ فَعَلَ عِدَّةَ كَبَائِرَ مَعَ غَالِبِ الْقُطَّاعِ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَإِنْفَاقِ مَا يَأْخُذُونَهُ فِي الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute