للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْ فُقِدُوا صَلَّى أَيْضًا صَلَاةً صَحِيحَةً إلَّا أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ الرَّغْبَةُ فِي الْمَحْمَدَةِ أَيْضًا فَاجْتَمَعَ الْبَاعِثَانِ، فَإِنْ كَانَ فِي نَحْوِ صَدَقَةٍ فَقَدْ عَصَى بِإِجَابَةِ بَاعِثِ الرِّيَاءِ وَأَطَاعَ بِإِجَابَةِ بَاعِثِ الثَّوَابِ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٨] فَلَهُ ثَوَابٌ بِقَدْرِ قَصْدِهِ الصَّحِيحِ، وَعِقَابٌ بِقَدْرِ قَصْدِهِ الْفَاسِدِ وَلَا يُحْبِطُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَصَلَاةُ النَّافِلَةِ كَالصَّدَقَةِ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: صَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ وَلَا الِاقْتِدَاءُ بِهِ بَاطِلٌ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّ قَصْدَهُ الرِّيَاءُ وَإِظْهَارُ حُسْنِ قِرَاءَتِهِ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ أَنَّهُ يَقْصِدُ الثَّوَابَ أَيْضًا بِتَطَوُّعِهِ فَتَصِحُّ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْقَصْدِ صَلَاتُهُ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ.

وَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ قَصْدٌ آخَرُ هُوَ عَاصٍ بِهِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ الْبَاعِثَانِ فِي فَرْضٍ، وَكُلٌّ لَا يَسْتَقِلُّ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الِانْبِعَاثُ بِمَجْمُوعِهِمَا فَهَذَا لَا يُسْقِطُ الْوَاجِبَ عَنْهُ، فَإِنْ اسْتَقَلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحَيْثُ لَوْ عُدِمَ بَاعِثُ الرِّيَاءِ أَدَّى الْفَرْضَ وَلَوْ عُدِمَ بَاعِثُ الْفَرْضِ أَنْشَأَ صَلَاةً لِلرِّيَاءِ فَهَذَا مَحَلُّ النَّظَرِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ جِدًّا، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: الْوَاجِبُ صَلَاةٌ خَالِصَةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ تُوجَدْ، وَأَنْ يُقَالَ: الْوَاجِبُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ بِبَاعِثٍ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَقَدْ وُجِدَ فَاقْتِرَانُ غَيْرِهِ بِهِ لَا يُسِيغُ سُقُوطَ الْفَرْضِ عَنْهُ كَمَا لَوْ صَلَّى فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ، وَلَوْ كَانَ الرِّيَاءُ فِي نَحْوِ الْمُبَادَرَةِ إلَى الصَّلَاةِ دُونَ ذَاتِهَا قُطِعَ بِصِحَّتِهَا لِأَنَّ بَاعِثَ أَصْلِ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا صَلَاةٌ لَمْ يُعَارِضْهُ غَيْرُهُ. هَذَا فِي رِيَاءٍ بَاعِثٍ عَلَى الْعَمَلِ. فَأَمَّا مُجَرَّدُ السُّرُورِ بِإِطْلَاعِ النَّاسِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ أَثَرُهُ بِحَيْثُ يُؤَثِّرُ فِي الْعَمَلِ فَبَعِيدٌ أَنْ يُفْسِدَ الصَّلَاةَ فَهَذَا مَا تَرَاهُ لَائِقًا بِقَانُونِ الْفِقْهِ، وَالْمَسْأَلَةُ غَامِضَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفُقَهَاءَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهَا فِي الْفِقْهِ، وَاَلَّذِينَ خَاضُوا فِيهَا لَمْ يُلَاحِظُوا قَوَانِينَ الْفُقَهَاءِ بَلْ حَمَلَهُمْ الْحِرْصُ عَلَى تَصْفِيَةِ الْقُلُوبِ وَطَلَبِ الْإِخْلَاصِ عَلَى إفْسَادِ الْعِبَادَاتِ بِأَدْنَى الْخَوَاطِرِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْقَصْدُ فِيمَا نَرَاهُ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ انْتَهَى. وَمَرَّ آنِفًا مَا يُعْلَمُ بِهِ مَا فِي بَعْضِهِ.

وَمِنْهَا: الرِّيَاءُ يَنْقَسِمُ إلَى دَرَجَاتٍ مُتَفَاوِتَةٍ فِي الْقُبْحِ، فَأَقْبَحُهَا الرِّيَاءُ فِي الْإِيمَانِ وَهُوَ شَأْنُ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ أَكْثَرَ اللَّهُ مِنْ ذَمِّهِمْ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَتَوَعَّدَهُمْ بِقَوْلِهِ - عَزَّ قَائِلًا -: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: ١٤٥] ، وَهَؤُلَاءِ قَلُّوا مِنْ بَعْدِ زَمَنِ الصَّحَابَةِ، نَعَمْ كَثُرَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ فِي الْقُبْحِ كَالْمُعْتَقِدِينَ لِلْبِدَعِ الْمُكَفِّرَةِ كَإِنْكَارِ الْحَشْرِ أَوْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَاعْتِقَادِ الْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ مَعَ إظْهَارِهِمْ خِلَافَ ذَلِكَ فَلَيْسَ وَرَاءَ قَبِيحِ أَحْوَالِ هَؤُلَاءِ شَيْءٌ، وَيَلِيهِمْ الْمُرَاءُونَ بِأُصُولِ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ كَأَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>