للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُئِلَ عَنْ الشِّطْرَنْجِ: الشِّطْرَنْجُ مِنْ النَّرْدِ: أَيْ وَمَرَّ فِي النَّرْدِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ وَلِيَ مَالًا لِيَتِيمٍ فَوَجَدَهَا فِي تَرِكَةِ وَالِدِ الْيَتِيمِ فَأَحْرَقَهَا وَلَوْ كَانَ اللَّعِبُ بِهَا حَلَالًا لَمَا جَازَ إحْرَاقُهَا لِكَوْنِهَا مَالَ يَتِيمٍ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ اللَّعِبُ بِهَا حَرَامًا أَحْرَقَهَا فَتَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْخَمْرِ إذَا وُجِدَتْ فِي مَالِ يَتِيمٍ تَجِبُ إرَاقَتُهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ حَبْرِ الْأُمَّةِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.

وَقِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: مَا تَقُولُ فِي اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ؟ فَقَالَ: إنَّهُ مَلْعُونٌ. وَقَالَ وَكِيعٌ الْجَرَّاحُ وَسُفْيَانُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ} [المائدة: ٣] هِيَ الشِّطْرَنْجُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ إلَّا مُثِّلَ لَهُ جُلَسَاؤُهُ الَّذِي كَانَ يُجَالِسُهُمْ، فَاحْتُضِرَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ فَقِيلَ لَهُ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَالَ شَاهَك ثُمَّ مَاتَ فَغَلَبَ عَلَى لِسَانِهِ مَا كَانَ يَعْتَادُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ مِنْ اللَّعِبِ بِهَا، فَقَالَ ذَلِكَ اللَّغْوَ الْبَاطِلَ عِوَضَ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ الَّتِي أَخْبَرَ الصَّادِقُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَنْ كَانَتْ آخِرَ كَلَامِهِ فِي الدُّنْيَا دَخَلَ الْجَنَّةَ أَيْ مِنْ غَيْرِ عَذَابٍ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَإِنَّمَا أَوَّلْنَاهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ لَا بُدَّ وَأَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَإِنْ عُذِّبَ، فَلَيْسَ لِلْإِخْبَارِ فَائِدَةٌ بِأَنَّ خَتْمَ الْكَلَامِ بِكَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَنَّةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ مَزِيَّةً اقْتَضَتْ تَخْصِيصَهُ بِذَلِكَ، وَتِلْكَ الْمَزِيَّةُ هِيَ إمَّا دُخُولُهُ لَهَا مَعَ النَّاجِينَ مِنْ غَيْرِ عَذَابٍ أَوْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُخَفِّفُ عَنْهُ مِمَّا اسْتَحَقَّهُ مِنْ الْعَذَابِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَوَانِ الَّذِي كَانَ يَسْتَحِقُّهُ لَوْ لَمْ يُخْتَمْ لَهُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ.

وَنَظِيرُ مَا ذُكِرَ عَنْ هَذَا الْمَخْتُومِ لَهُ بِقَوْلِهِ شَاهَكَ مَا جَاءَ عَنْ إنْسَانٍ كَانَ يُجَالِسُ شَرَبَةَ الْخَمْرِ، فَلَمَّا اُحْتُضِرَ لُقِّنَ الشَّهَادَةَ فَقَالَ لِمَنْ يُلَقِّنُهُ اشْرَبْ وَاسْقِنِي ثُمَّ مَاتَ فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَهَذَا مِصْدَاقُ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ: «يَمُوتُ كُلُّ إنْسَانٍ عَلَى مَا عَاشَ عَلَيْهِ وَيُبْعَثُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ» . فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ الْغَنِيَّ الْمَنَّانَ بِفَضْلِهِ أَنْ يَتَوَفَّانَا وَأَنْ يَبْعَثَنَا عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ إلَى أَنْ نَلْقَاهُ وَهُوَ رَاضٍ عَنَّا بِكَرْمِهِ هُوَ الْجَوَادُ الرَّحِيمُ آمِينَ.

وَفِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ: الشِّطْرَنْجُ حَرَامٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَا عِنْدَنَا إنْ فَوَّتَ بِهِ صَلَاةً عَنْ وَقْتِهَا أَوْ لَعِبَ بِهِ عَلَى عِوَضٍ، فَإِنْ انْتَفَى ذَلِكَ كُرِهَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَحَرُمَ عِنْدَ غَيْرِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>