للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّامِلِ حَيْثُ قَالَ: مَنْ اسْتَمَعَ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ فَسَقَ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَكْرَارَ السَّمَاعِ. انْتَهَى.

هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ الْقَائِلِينَ بِالْحُرْمَةِ، وَوَرَاءَ ذَلِكَ مَقَالَاتٌ لَا بَأْسَ بِبَيَانِهَا فَنَقُولُ: يَحْرُمُ ضَرْبُ وَاسْتِمَاعُ كُلِّ مُطْرِبٍ كَطُنْبُورٍ وَعُودٍ وَرَبَابٍ وَجُنْكٍ وَكَمَنْجَةٍ وَدِرِّيجٍ وَصَنْجٍ وَمِزْمَارٍ عِرَاقِيٍّ وَيَرَاعٍ وَهُوَ الشَّبَّابَةُ وَكُوبَةٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْتَارِ وَالْمَعَازِفِ جَمْعُ مِعْزَفَةٍ، قِيلَ هِيَ أَصْوَاتُ الْقَيَانِ إذَا كَانَتْ مَعَ الْعُودِ وَإِلَّا فَلَا يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ، وَقِيلَ هِيَ كُلُّ ذِي وَتَرٍ لِأَنَّهَا آلَاتُ الشُّرْبِ فَتَدْعُو إلَيْهِ، وَفِيهَا تَشَبُّهٌ بِأَهْلِهِ وَهُوَ حَرَامٌ وَلِذَلِكَ لَوْ رَتَّبَ جَمَاعَةٌ مَجْلِسًا وَأَحْضَرُوا لَهُ آلَةَ الشُّرْبِ وَأَقْدَاحَهُ وَصَبُّوا فِيهِ السَّكَنْجَبِين وَنَصَبُوا سَاقِيًّا يَدُورُ عَلَيْهِمْ وَيَسْقِيهِمْ وَيُجِيبُ بَعْضُهُمْ بِكَلِمَاتِهِمْ الْمُعْتَادَةِ مِنْهُمْ حَرُمَ ذَلِكَ، وَصَحَّ مِنْ طُرُقٍ خِلَافًا لِمَا وَهَمَ فِيهِ ابْنُ حَزْمٍ فَقَدْ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَوَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَأَبُو دَاوُد بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ لَا مَطْعَنَ فِيهَا وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ.

عَلَى أَنَّ ابْنَ حَزْمٍ صَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّ الْعَدْلَ الرَّاوِيَ إذَا رَوَى عَمَّنْ أَدْرَكَهُ مِنْ الْعُدُولِ فَهُوَ عَلَى اللِّقَاءِ وَالسَّمَاعِ سَوَاءٌ. قَالَ أَخْبَرَنَا أَمْ حَدَّثَنَا أَوْ عَنْ فُلَانٍ أَوْ قَالَ فُلَانٌ فَكُلُّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ مِنْهُ عَلَى السَّمَاعِ. انْتَهَى.

فَتَأَمَّلْ تَنَاقُضَهُ لِنَفْسِهِ حَيْثُ حَكَمَ عَلَى قَوْلِ الْبُخَارِيِّ. قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ وَسَاقَ سَنَدَهُ إلَى أَبِي عَامِرٍ وَأَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَيَكُونُ فِي أُمَّتِي قَوْمٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ» - أَيْ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مَعَ التَّخْفِيفِ: وَهُوَ الْفَرْجُ أَيْ الزِّنَا - «وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» وَهَذَا صَرِيحٌ ظَاهِرٌ فِي تَحْرِيمِ آلَاتِ اللَّهْوِ الْمُطْرِبَةِ، وَقَدْ حَكَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ الْمِزْمَارِ الْعِرَاقِيِّ وَمَا يُضْرَبُ بِهِ مِنْ الْأَوْتَارِ.

وَمِنْ عَجِيبِ تَسَاهُلِ ابْنِ حَزْمٍ وَاتِّبَاعِهِ لِهَوَاهُ أَنَّهُ بَلَغَ مِنْ التَّعَصُّبِ إلَى أَنْ حَكَمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَكُلِّ مَا وَرَدَ فِي الْبَابِ بِالْوَضْعِ وَهُوَ كَذِبٌ صُرَاحٌ مِنْهُ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: أَمَّا الْمَزَامِيرُ وَالْأَوْتَارُ وَالْكُوبَةُ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي تَحْرِيمِ اسْتِمَاعِهَا وَلَمْ أَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ مِنْ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْخَلَفِ مَنْ يُبِيحُ ذَلِكَ، وَكَيْفَ لَا يَحْرُمُ وَهُوَ شِعَارُ أَهْلِ الْخُمُورِ وَالْفُسُوقِ وَمُهَيِّجُ الشَّهَوَاتِ وَالْفَسَادِ وَالْمُجُونِ؟ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَشُكَّ فِي تَحْرِيمِهِ وَلَا تَفْسِيقَ فَاعِلِهِ وَتَأْثِيمَهُ انْتَهَى

<<  <  ج: ص:  >  >>