وَأَمَّا أَثَرُهُ فِي الْقَلْبِ، فَالْحِقْدُ عَلَى الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ وَحَسَدُهُ، وَإِظْهَارُ الشَّمَاتَةِ بِمُسَاءَتِهِ، وَالْحُزْنِ بِسُرُورِهِ، وَالْعَزْمُ عَلَى إفْشَاءِ سِرِّهِ وَهَتْكِ سِتْرِهِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَبَائِحِ.
وَأَمَّا الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ: فَهُوَ اعْتِدَالُ تِلْكَ الْقُوَّةِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَفْرِيطٌ وَلَا إفْرَاطٌ، وَإِنَّمَا تَكُونُ طَوْعَ الْعَقْلِ وَالدِّينِ، فَتَنْبَعِثُ حَيْثُ وَجَبَتْ الْحَمِيَّةُ، وَتَنْطَفِئُ حَيْثُ حَسُنَ الْحِلْمُ، وَهَذَا هُوَ الِاسْتِقَامَةُ الَّتِي كَلَّفَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ، وَالْوَسَطُ الَّذِي مَدَحَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا» ، فَمَنْ أَفْرَطَ أَوْ فَرَّطَ فَلْيُعَالِجْ نَفْسَهُ إلَى وُصُولِهَا إلَى هَذَا الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ أَوْ إلَى الْقُرْبِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: ١٢٩] وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ عَجَزَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِالْخَيْرِ كُلِّهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّرِّ كُلِّهِ فَإِنَّ بَعْضَ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضٍ، وَبَعْضَ الْخَيْرِ أَرْفَعُ مِنْ بَعْضٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ يُعْطِي كُلَّ عَامِلٍ مَا أَمَّلَهُ، وَيُيَسِّرُ لَهُ مَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ وَأَمَّ لَهُ.
وَمِنْهَا: مَحَلُّ ذَمِّ الْغَضَبِ إنْ كَانَ بِبَاطِلٍ، وَإِلَّا فَهُوَ مَحْمُودٌ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَغْضَبُ إلَّا لِلَّهِ.
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ فِي مَوْعِظَتِهِ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ» .
قَالَتْ عَائِشَةُ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي - أَيْ صِفَةً - بَيْنَ يَدَيْ الْبَيْتِ بِقِرَامٍ - أَيْ سِتْرٍ رَقِيقٍ - فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَتَكَهُ أَيْ أَفْسَدَ الصُّورَةَ الَّتِي فِيهَا وَرَمَاهُ بِيَدِهِ وَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -» .
قَالَ أَنَسٌ: «رَأَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ فَقَامَ فَحَكَّهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ: إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ أَوْ قَالَ: إنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ أَوْ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ وَقَالَ: أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute