غَيْرِهِ جَرَّهُ إلَى الْحَسَدِ الْمَحْظُورِ، وَإِلَى مَيْلِ الطَّبْعِ إلَى زَوَالِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ حَتَّى يَنْزِلَ لِمُسَاوَاتِهِ، وَهُنَا لَا رُخْصَةَ فِيهِ بِوَجْهٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَقَاصِدِ الدِّينِ أَمْ الدُّنْيَا.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَكِنَّ ذَلِكَ يُعْفَى عَنْهُ مَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَكُونُ كَرَاهَتُهُ لِذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ كَفَّارَةً لَهُ: وَمِنْهَا: قَدْ عَرَفْتَ مَاهِيَّةَ الْحَسَدِ وَأَحْكَامَهُ.
وَأَمَّا مَرَاتِبُهُ: فَهِيَ إمَّا مَحَبَّةُ زَوَالِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ، وَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ لِلْحَاسِدِ، وَهَذَا غَايَةُ الْحَسَدِ، أَوْ مَعَ انْتِقَالِهَا إلَيْهِ أَوْ انْتِقَالِ مِثْلِهَا إلَيْهِ، وَإِلَّا أَحَبَّ زَوَالَهَا لِئَلَّا يَتَمَيَّزَ عَلَيْهِ أَوْ لَا مَعَ مَحَبَّةِ زَوَالِهَا، وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ مِنْ الْحَسَدِ إنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا، وَالْمَطْلُوبُ إنْ كَانَ فِي الدِّينِ كَمَا مَرَّ.
وَمِنْهَا: لَا شَكَّ أَنَّ الْحَسَدَ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ الْعَظِيمَةِ، وَأَمْرَاضُ الْقُلُوبُ لَا تُدَاوَى إلَّا بِالْعِلْمِ، فَالْعِلْمُ النَّافِعُ لِمَرَضِ الْحَسَدِ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّهُ يَضُرُّ دِينًا وَدُنْيَا وَلَا يَضُرُّ الْمَحْسُودَ لَا دِينًا وَلَا دُنْيَا، إذْ لَا تَزُولُ نِعْمَةٌ بِحَسَدٍ قَطُّ، وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ لِلَّهِ نِعْمَةٌ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى الْإِيمَانُ لِأَنَّ الْكُفَّارَ يُحِبُّونَ زَوَالَهُ عَنْ أَهْلِهِ، بَلْ الْمَحْسُودُ مُنْتَفِعٌ بِحَسَدِك دِينًا لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ مِنْ جِهَتِك سِيَّمَا إنْ أَبْرَزْتَ حَسَدَك إلَى الْخَارِجِ بِالْغِيبَةِ وَهَتْكِ السِّتْرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْإِيذَاءِ، فَهَذِهِ هَدَايَا تُهْدِي إلَيْهِ حَسَنَاتِك بِسَبَبِهَا حَتَّى تَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُفْلِسًا مَحْرُومًا مِنْ النِّعَمِ كَمَا حُرِمْتَ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا وَدِينًا لِسَلَامَتِهِ مِنْ غَمِّك وَحُزْنِك وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَأْتِي، وَمَتَى انْكَشَفَ غِشَاءُ بَصِيرَتِك وَرَيْنُ قَلْبِك وَتَأَمَّلْتَ ذَلِكَ وَلَمْ تَكُنْ عَدُوَّ نَفْسِك وَلَا صَدِيقَ عَدُوِّك أَعْرَضْت عَنْ الْحَسَدِ أَصْلًا وَرَأْسًا حَذَرًا مِنْ أَنْ تَكُونَ قَدْ وَقَعْتَ بِهِ فِي وَرْطَةٍ عَظِيمَةٍ، وَهِيَ أَنَّك قَدْ سَخِطْتَ قَضَاءَ اللَّهِ وَكَرِهْتَ قِسْمَةَ اللَّهِ وَعَدْلَهُ، وَهَذِهِ جِنَايَةٌ أَيُّ جِنَايَةٍ عَلَى حَضْرَةِ التَّوْحِيدِ وَنَاهِيكَ بِهَا جِنَايَةً عَلَى الدِّينِ، وَكَيْفَ لَا وَأَنْتَ قَدْ فَارَقْتَ بِذَلِكَ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ وَالْعُلَمَاءَ الْعَامِلِينَ فِي حُبِّهِمْ وُصُولَ الْخَيْرِ لِعِبَادِ اللَّهِ وَشَارَكْت إبْلِيسَ وَالشَّيَاطِينَ فِي مَحَبَّتِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ الْبَلَايَا وَزَوَالَ النِّعَمِ؟ وَهَذِهِ خَبَائِثُ فِي الْقَلْبِ تَأْكُلُ حَسَنَاتِك كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، هَذَا مَعَ مَا يَنْضَمُّ لِذَلِكَ مِنْ ضَرَرِك الدُّنْيَوِيِّ بِتَوَالِي الْهَمِّ وَالْغَمِّ عَلَيْك كُلَّمَا رَأَيْتَ مَحْسُودَك يَتَزَايَدُ فِي النِّعَمِ وَأَنْتَ تَتَنَاقَصُ فِيهَا، فَإِنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ آفَاتِ حَسَدِك فَأَنْتَ دَائِمًا فِي غَايَةِ الْحُزْنِ وَالْغَمِّ وَضِيقِ الصَّدْرِ وَتَشَعُّبِ الْقَلْبِ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّك لَمْ تُؤْمِنْ بِبَعْثٍ وَلَا حِسَابٍ لَكَانَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute