للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّ أهلَ الباطل يُلَقِّبُون أهلَ الحقِّ بألقابِ السُّوء؛ تنفيرًا للنَّاسِ عن قَبُولهم، يُؤخذ هذا مِن قَولِه تعالى: {قَالُوا سِحْرَانِ} أو "سَاحِرَانِ" على القِراءَة الأُخْرَى، فسواء وَصَفُوا مَا جَاءَت به الرُّسل بالسِّحر، أو وَصَفُوا الرُّسْلَ أنفسَهم بالسِّحر؛ فإنَّ المقصود بذلك تنفير النَّاس عن قَبُول مَا جَاءَت به الرُّسل.

وهذه القاعدة ثابتة لِأَتْبَاع الرُّسُل؛ بدليل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين: ٢٩ - ٣٢]، وَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قد جعل لكل نبيٍّ عَدُوَّا مِن المجرمين، والعدُوُّ مِن المجرمين عَدُوٌّ للنبي بوصفِه، بدليل أن محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- قَبْلَ أَن تأتيَه الرِّسالَة وهو عند العَرب الصادق الأمين، ويرون أنَّه مِن أفضل بني هاشم، وأقوَمِهم بالعدل، فلمّا جَاءَ بالحَقّ صار عندهم الخائنَ الكذوبَ.

إذا كان هؤُلاءِ المجرمون يُعادون الرُّسُلَ بوصفِهم، فمعنى ذلك أَنَّ هَذِهِ المعاداةَ ستنتقل إلى مَن تابَعَ هؤُلاءِ الرُّسُل؛ لأنَّ المعنَى الذي حصلت به العداوة موجود أيضًا في أتباع الرُّسُل، وَعَلَى هَذَا:

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: طَمْأَنة أتباع الرُّسل، وتثبيتهم على أنّهم سينالهم مِن ألقاب السُّوء، ومن المعاداة مِثل ما نالَ الرُّسُلَ، فعليهم أن يُقابلوا ذلك بالصَّبْر والثبات والقُوَّة، لا أن يُخْذَلُوا، بل عليهم أن يكونوا كَمَا كَانَ متبوعُهم الذي أمره اللَّه قائلًا: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [الأحقاف: ٣٥].

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أنَّ التَّعاوُن حتَّى على الباطِل له تأثيرٌ وتقويَة، يُؤخَذ مِن قَوْلِه: {تَظَاهَرَا} فَإذَا كَانَ التَّعاوُن في الباطل له تأثير، فما بالُك بالتَّعاوُن في الحق؟

<<  <   >  >>