للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ: يَجب أَنْ نكونَ متعاونين فيما نحن عليه مِن دعوة الحق، وألَّا يخذل بعضُنا بعضًا، خلافًا لما كان عليه حال النَّاس اليوم؛ فإنهم في هَذَا البَاب ليسوا بمتعاونين، حتى أهل الحق، وأهل الدعوة تجدهم غيرَ متعاونين؛ لأنَّهُم:

أولًا: كلُّ وَاحد لَا يَهُمُّه إلا نَفْسُه.

ثانيًا: أنهم ربَّمَا يختلفون في أَمْر بسيط جزئي مِن أُمُور الدِّين، ويتعادَوْن عَلَى ذَلكَ، فقد يختلفون في كيفية رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، فهذا يقول: ترفع يديك إلى الأذنين. وهذا يقول: إلى المنكبَيْن. ثُمَّ يَقول: أنت على ضلال! وهو يقول: أَنت عَلَى ضلال! فما تُثْمِرُ هَذِهِ الكلمة إلا الحِقد والبغضاء والعداوة.

وسبق أن قصصت عليكم قصَّة طائفتين، كلُّ طائفة تُكَفِّر الأُخْرَى في مَسأَلةٍ بسيطة مِن مَسائِل الدِّين، طائفة تقول: إِنَّ السُّنة أن يضع الإِنْسَان يده اليمنى على اليسرى فوق صدره. وطائفة أخرى تقول: إنَّ السُّنّةَ أن يُرْسِلَ الإِنْسَان يديه إلى جنبه.

فاختلفا حتى كَفَّرت كُلُّ طائفة الأُخْرَى، وجعلتها ملعونة؛ لأنَّها تركت السُّنة عن عَمد وقَصد، والإِنْسَان الذي يكره ما أَنزَلَ اللَّهُ يكون كافرًا، وفيه خصومة عظيمة.

وفي أيام الحجِّ اجتمع معهُم ناسٌ مِن التَّوعيَة، وأراحُوهم، وبَيَّنوا أَنَّ هَذَا لَا يَجوز؛ لأَنَّ هَذَا فيه ضرر عليكم أنتم يا أهل الحق؛ لأنكم إذا كفَّر بعضكم بعضًا، فما تفعلون مع أهل الخرافات، وأهل البدع.

وتعرفون قصَّة نقض الصحيفة التي كَتبَتها قريشٌ في مقاطعة بني هاشم، لم يأتِ واحدٌ مِنَ النَّاس فنَقَضَها، فهو لا يستطيع، لكنَّه ذهب إلى فلانٍ ووَبَّخه، وقال: بنو هاشم قومٌ منكم، كيف تَرْضَوْنَ أن تقاطعوهم حتى يموتوا مِن الجوع؟ ! وَذَهَبَ

<<  <   >  >>