للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا" (١).

لكن الصَّبر عَلَى الأَقْدَار المؤلمة أمرٌ يُمكن للإنسَان أَنْ يصبرَ عليه، ويُحاسب نَفْسَهُ حتى يستقيم.

والصَّبْر عَلَى طَاعَة اللَّه أفضلُ وأعلى وأَكْمَلُ مِن الصَّبرِ عَنِ المعصية، لأَنَّ فيه جهادَين: جهادًا على العَمَل، وجهادًا على تحَمُّل العَمَل، ثم الصَّبر عَنِ المعصية؛ لأنَّهُ جهادٌ واحِدٌ، عَلَى تحَمُّل تَرْكِه، فَلَيسَ فيه عَمَلٌ، يقال: لا تَزْنِ، لَا تَزْنِ. ما أُمِرْتَ وكُلِّفْتَ بفعل شيء.

والصَّبْر على الأَقْدَار المُؤْذِيَة، أو المؤلمة هو أدناهُ؛ لأنَّهُ صَبْرٌ على مَا لَا اختيارَ للمرء فيه، كَمَا قَالَ بعضُ السَّلَف: "العاقِلُ يَفعل في أول يومٍ مِن المُصيبة ما يَفْعَلُه الجاهِلُ بَعْدَ أيامٍ، ومَنْ لَمْ يَصْبِرْ صَبْرَ الكِرَام سَلا سَلْوَ البهائم" (٢).

كُلُّ إنسَانٍ إذا أُصِيب بمُصِيبة، وطال عليها الزَّمَن، فإنه ينسى.

ولهذا كان صبرُ يُوسُفَ على تَرْكِ الزنا بامرأةِ العَزيز أَكْمَلَ مِن صَبْرِهِ عَلَى مَا حَصَلَ مِن قَضِيَّة إخوانِه له بلا رَيْبٍ، وَلهَذَا قَالَ اللَّهُ تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: ٢٤]، وَلَم يَقُلْ مِثْلَ هَذَا حِين أَلْقَوْه في غَيَابَةِ الجُبِّ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الطب، باب شرب السم والدواء به وبما يُخاف منه والخبيث، رقم (٥٧٧٨)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، وأن من قتل نفسه بشيء عُذِّبَ به في النار، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، رقم (١٠٩).
(٢) تسلية أهل المصائب، لمحمد بن محمد بن محمد، شمس الدين المنبجي (ص ٢٩).

<<  <   >  >>