والحاصِلُ: أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ ووعِيدَه كلاهما حقٌّ، لكن وعده لما كان حقًّا للموعود صار لَا بُدَّ مِنْهُ لوقوعه، ووعيدُه لمَّا كَانَ حقًّا له إِنْ شَاءَ عَفَا عنه؛ تكرُّمًا وتفضلًا، حسب ما تقتضيه حِكمته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَلَكِنْ فِي قَوْلِهِ تعالى:{قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا}[الأعراف: ٤٤]، هذا وعيدٌ أُطلق على الوعد؛ إما لِأنَّهُ فِي المقابلة مع قولهم بهذا صار مُشاكلًا له، أو أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أحيانًا.
قال تعالى:{وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}: {حَقٌّ} هنا بمعنى: ثابت، وقد قُلْنَا: إِنَّ الْحَقَّ إِذَا تعلَّق بالأخبار، فمعناه الصِّدق، وفي الأحكام معناه العَدْل، وَعَلَى هَذَا فيكون هُنَا بِمَعْنَى: الصدق.
{وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أي: صِدْق، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يتخلف؛ لأن تخلُّف الوعد إما أَنْ يَكُونَ عَنْ كذبِ الواعد، أَوْ عَنْ عَجْزِه عن تنفيذه، وكِلا الأمرين في حَقّ اللَّهِ مستحيلٌ، فلا كَذِبَ فِي قَوْلِهِ، ولا عجزَ في فِعله؛ ولهذا فإن عِباد اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يختمون الدُّعاء بقولهم:(إنك لا تخلف الميعاد).
قوله تعالى:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ} أي: النَّاس لا يعلمون بهذا الوعد، ولا بأن هَذِهِ أخته.
والمُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ خَصَّص الآية، والحقيقة أن الآية عامة:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أي: ليس عندهم عِلم ينفعهم في وعد اللَّه، فنَفْيُ العِلم هنا إما لإثبات الجهل، أو لنفي العِلم النافع، فأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ أنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ.