مزرقّة عيونهما مسودّة جلودهما ليس بين ألسنتهما وبين الماء إلّا قدر أربع أصابع وهما يعذبان بالعطش فلما رأى ذلك هاله مكانهما فقال: لا إله الّا الله وقد نهي عن ذكر الله فلمّا سمعا كلامه قالا له: من أنت؟ قال: رجل من النّاس. قالا: ومن أيّ أمّة أنت؟
قال: من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم. قالا: وقد بعث محمّد؟ قال: نعم قالا: الحمد لله وأظهرا الاستبشار. فقال الرجل: وممّ استبشاركما؟
قالا: لأنّه نبي السّاعة وقد دنا انقضاء عذابنا. قالوا ومن ثمّ استغفار الملائكة لبني آدم.
وعن الأوزاعي قال: المعنى
إنّ جبرئيل أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال له:«يا جبرئيل صف لي النّار؟
فقال: إنّ الله أمر بها فأوقد عليها ألف عام حتّى احمرّت ثمّ أوقد عليها ألف عام حتّى اصفرّت ثمّ أوقد عليها ألف عام حتّى اسودّت فهي سوداء مظلمة لا يضيء لهيبها ولا جمرها، والّذي بعثك بالحقّ لو أنّ ثوبا من ثياب أهل النّار أظهر لأهل الأرض لماتوا جميعا ولو أنّ ذنوبا من سرابها صبّت في الأرض جميعا لقتل من ذاقه، ولو أنّ ذراعا من السلسلة التي ذكرها الله وضع على جبال الأرض جميعا لذابت وما استقلّت ولو إنّ رجلا دخل النّار ثمّ أخرج منها لمات أهل الأرض من نتن ريحه وتشويه خلقه وعظمه فبكى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبكى جبرئيل لبكائه وقال: أتبكي يا محمّد وقد غفر الله لك ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ! قال: «أفلا أكون عبدا شكورا» [٩٧] ، ولم بكيت يا جبريل وأنت الرّوح الأمين أمين الله على وحيه؟ قال: أخاف أن أبتلي بما ابتلي هاروت وماروت. فهو الّذي منعني عن اتكالي على منزلتي عند ربّي فأكون قد آمنت مكره فلم يزالا يبكيان حتّى نوديا من السّماء أن يا جبرئيل ويا محمّد إنّ الله قد أمنكما أن تعصياه فيعذبكما «١» ففضل محمّد على الأنبياء كفضل جبرائيل على ملائكة السّماء.
وَما يُعَلِّمانِ يعني الملكين مِنْ أَحَدٍ من صلة لا يعلّمان السحر أحدا حتّى ينصحاه أولا وينهياه ويقولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ إبتلاء ومحنة.
فَلا تَكْفُرْ بتعلم السّحر وأصل الفتنة الاختبار.
تقول العرب: فتنت الذّهب إذا أدخلته النّار لتعرف جودته من رداءته.
وفتنت الشمس الحجر إذا سوّدته.
وإنّما وحّد الفتنة وهما اثنان لأنّ الفتنة مصدر والمصادر لا تثنّى ولا تجمع كقولهم:
وَعَلى سَمْعِهِمْ وفي مصحف أبي: وما يعلّم الملكان من أحد حتّى يقولا إنّما نحن فتنة فلا تكفر سبع مرّات.