للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلف القرّاء في قوله: يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ فقرأ عاصم ويعقوب وأبو حاتم بفتح الياء وكسر الصاد مخففا، وقرأ حمزة والكسائي وخلف بضمّ الياء وكسر الصاد مشددا، وقرأ ابن عامر والأعرج بضم الياء وفتح الصاد وتشديده، وقرأ طلحة والنخعي بالنون وكسر الصاد والتشديد، وقرأ أبو حيوة يُفْصِلُ من أفصل يفصل، وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الصاد مخففا من الفصل.

وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكّي قال: أخبرنا عبد الله بن هاشم قال: حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدّثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن عطاء بن يزيد عن تميم الداري أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما الدين النصيحة» ثلاثا، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» [٢٧٤] «١» .

قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ قدوة حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ خليل الرحمن وَالَّذِينَ مَعَهُ من أهل الإيمان إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ المشركين إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ جمع بريء، وقراءة العامة على وزن فعلا غير مجز، وقرأ عيسى بن عمر بِراءٌ بكسر الباء، على وزن فعال مثل قصير وقصار وطويل وطوال وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ أي جحدنا بكم وأنكرنا دينكم وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ يعني قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم وأموره إلا في قوله: لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ أن عصيته نهوا أن يتأسوا في هذه خاصة بإبراهيم فيستغفروا للمشركين، ثم بيّن عذره في سورة التوبة.

وفي هذه الآية دلالة بيّنة على تفضيل نبيّنا وذلك أنه حين أمر بالاقتداء به أمر على الإطلاق ولم يستثن فقال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وحين أمر بالاقتداء بإبراهيم استثنى.

رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا [هذا قول] «٢» إبراهيم ومن معه من المؤمنين.

وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ يعني في إبراهيم ومن معه من الأنبياء والأولياء أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ فلما نزلت هذه الآية عادى المؤمنون أقرباءهم المشركين في الله وأظهروا لهم العداوة والبراءة فعلم سبحانه شدّة وجد المؤمنين بذلك فأنزل الله سبحانه: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ أيها المؤمنون وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ من مشركي مكّة مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يفعل الله ذلك بأن أسلم كثير منهم فصاروا لهم أولياء وإخوانا وخالطوهم وناكحوهم

وتزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أم حبيبة


(١) كنز العمّال: ٣/ ٤١٢، ح ٧١٩٧، سنن الدارمي: ٢/ ٣١١.
(٢) العبارة في المخطوط مطمسة والظاهر ما أثبتناه وفي تفسير القرطبي: (١٨/ ٥٧) هذا من دعاء إبراهيم (عليه السلام) وأصحابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>