للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: سمى الله تعالى القيمة مثلا في قوله: (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) «١» .

قلنا: ليس المراد به القيمة، وإنما المراد به القصاص والمماثلة فيه، فإن وجوب ذلك موقوف على الاعتداء، لا على القيمة التي تجب، حيث يجوز له إتلاف مال الغير، ويجب شرط الضمان، فوصف الاعتداء في ضمان القيمة لغو من هذا الوجه، وإنما المراد به القصاص، وهذا بين جدا.

فإن قيل: قال الله تعالى:

(يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) «٢» .

ولو كان الواجب مثل ما ذكرتموه من البدنة في النعامة من غير اختلاف.

ومثل الكبش في الضبع، فليس ذلك مما يحتاج فيه إلى الارتياء والنظر ومعرفة الشكل، حتى يحتاج فيه إلى ذوي عدل، وإنما يحتاج إلى ذوي العدل فيما يختلف ويتفاوت فيه النظر ويضطرب فيه الرأي، ويدل عليه أنه ذكر الطعام والصيام وليسا مثلا وأدخل أو بينهما وبين النعم، فلا بد أن يكون ترتيب الآية: فجزاء مثل ما قتل من النعم أو من الطعام أو الصيام.. وتقديم ذكر النعم في التلاوة، لا يوجد تقديمه في المعنى، بل الكل كأنه مذكور معا، فلا فرق على هذا بين هذا الترتيب الموجود من الآية، وبين أن يقول: فجزاء مثل ما قتل طعاما أو صياما ومن النعم هديا، ونظيره، فكفارته إطعام عشره مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم، أو كسوتهم أو تحرير رقبة، ولا يقتضي ذلك كون الطعام مقدما على الكسوة، ولا الكسوة مقدمة على العتق، بل الكل كأنه مذكور في لفظ


(١) سورة البقرة آية ١٩٤
(٢) سورة المائدة آية ٩٥.