الخامسة: الخاتمون لكتاب الله على ثلاثة فرق فمنهم فرقة كيوسف ابن أسباط إذا ختموا اشتغلوا بالاستغفار مع الخجل والحياء وهؤلاء قوم غلب عليهم الخوف لما عرفوا من شدة سطوة الله وقهره وبطشه ورأوا أعمالهم لما احتوت عليه من التقصير بالنسبة لجانب الربوبية إلى العقوبة أقرب فأيقنوا أنهم لا يليق بهم إلا الاستغفار إظهارا للفقر والفاقة والاعتذار وغابوا عن رؤية طلب الثواب وقنعوا أن يخرجوا من العمل كفافا لا لهم ولا عليهم، وفرقة أخرى يصلون الختمة الثانية بالختمة الأولى من غير اشتغال بدعاء ولا استغفار إما تقديما لمحابّ الله على محابهم أو خوفا أن يكون في ذلك حظ من حظوظ النفس أو ليتحقق لهم عمل الحال المرتحل وهو من أحب الأعمال إلى الله كما تقدم أو عملا بحديث رواه الترمذي عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال:«يقول الله تبارك وتعالى من شغله القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه» وعلى هذا يحمل ما في المستخرجة عن ابن القاسم سئل مالك عن الذي يقرأ القرآن فيختمه ثم يدعو قال: ما سمعت بدعاء عند ختم القرآن وما هو من عمل الناس وعنه في العتبية ومختصر ما ليس في المختصر كراهته، وفرقه أخرى وهم الأكثرون إذا ختموا اشتغلوا بالدعاء وألحوا فيه لما ثبت عندهم من أدلة ذلك فقد روى الترمذي وقال حديث حسن عن عمران بن حصين- رضي الله عنه- أنه مرّ على قارئ يقرأ القرآن ثم سأل فاسترجع ثم قال سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول:«من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيجيء أقوام يسألون به الناس». وروى هو وغيره عن أنس- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلّم- قال له:«عند ختم القرآن دعوة مستجابة وشجرة في الجنة»، وكان أنس بن مالك وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر- رضي الله عنهم- يفعلون ذلك، وصح عن الحكم بن عتيبة بفتح التاء بعدها ياء