للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل، وإلا فما الفائدة في تصحيح الجاهل بالرواية والدراية؟!.

ومحل قولهم: " إن الصحيح والظاهر مُقَدَّم على الأصح والأظهر " إذا أورده بصيغة تفيد الحصر، كقولهم: " هو الصحيح "، ونحوه، وإن لم يورده كذلك فلا يُقَدَّم؛ لأن العبارة حينئذ إنما تدل على صحة القول المُذَيَّل مع السكوت عن مقابله، فيحتمل أن يكون صحيحًا عنده أيضا لجواز تَعَدّد الصحيح رواية.

ومع اشتراط أن يكون المرجِّح عالماً بفقه الدليل: يشترط أيضًا أن يكون عدلًا ثقة قد عُرِفَ، واشتُهر بالفقه، والضبط، والورع، وإلا فلا عبرة بترجيح من لا يميز بين الغث والسمين، ولا يَفْرِق بين الشمال واليمين من ضعفاء الناس، والمستورين الذين لم يعرف حالهم، ولم تثبت عدالتهم.

وكما لا عبرة بتصحيح هذا، وترجيحه -: لا عبرة بنقله.

وقوله، ولا عبرة بما تَفَرَّد به إلا بشرط موافقته للأصول، وقيام الدليل عليه، وأن لا يعارضه فيه من هو فوقه أو مثله، وإلا اضمحل بالتعارض، أو بظهور عدم صحة النقل، أو عدم تعضيد الدليل له.

ومثال ذلك: أن المصلي منفردًا إذا قضى الصلاة الجهرية، هل يجب عليه إخفاء القراءة أو لا؟

اختلف فيه، فقيل: يجوز الإخفاء، ويجوز الجهر، والجهر أفضل ليكون القضاء على حسب الأداء، وقيل: يجب عليه الإخفاء، قال في الهداية: هو الصحيح.

واعترض عليه العلامة السغناقي في النهاية وغيره: بأنه مخالف لقول شمس الأئمة السرخسي، وفخر الإسلام، والإمام التمرتاشي، والإمام المحبوبي، وقاضيخان وغيرهم بالتخيير، وأن الجهر أفضل، وأنه الصحيح، وفي الذخيرة والكافي هو الأصح؛ لأن القضاء على وَفْق الأداء.

فعُلِمَ أن ما صححه صاحب الهداية بقوله: " هو الصحيح " غير صحيح.

وقد أجاب عنه صاحب العناية: بأنه ليس مراد المصنف " الصحيح رواية " حتى يَرِدَ عليه ما ذكر، بل " الصحيح دراية ".

وذلك لأن الحكم الشرعي ينتفي بانتفاء المدرك الشرعي، والمعلوم من الشرع: كون الجهر من المنفرد تخييرًا في الوقت، وحتمًا على الإمام، ولولا الأثر من النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حين قضائه فجر غداة التعريس جهر فيها بالقراءة كما كان يصليها في وقتها، لقلنا بتقييده في الوقت أيضًا في حق الإمام، ومثل هذا الأثر في المنفرد معدوم فيبقى الجهر في

<<  <   >  >>