[بعض الاعتراضات الواردة على هذا الترتيب والرد عليها:]
١ - يدعي بعضهم الإجماع على ترتيب الإمام الغزالي: " الدين ثم النفس ثم العقل فالنسل فالمال "، ويرى أن استقراء موارد الشرع يدل على ذلك.
والرد على ذلك: بأن هذا الإجماع لم يحكه أحد من العلماء السابقين المعتبرين، بل هو من إطلاقات بعض المحدثين، فهو ادعاء يعوزه الدليل، أو النقل الصحيح فضلا عن أننا لم نخالف الغزالي في ترتيبه، إذ إنه قَصَدَ بالدين الإسلامَ، ونحن لم نقصد ذلك،
بل أوردناه بمعناه الأخص كما أسلفنا.
وإن كنا نرى أن هذه المقاصد الخمسة تمثل دائرة واحدة، فنحن وإن رَتَّئضا حسا إلا أنها كالخيمة ذات العمود والأوتاد الأربعة، والخيمة هي الإسلام، والعمود هو الدين، والأوتاد الأربعة هي سائر المقاصد.
على أن الترتيب المنطقي، وإعمال الآيات كلها في محلها دون بعضها البعض يؤيد ما ذهبنا إليه من الترتيب، وهذا ما سنبينه إن شاء اللَّه تعالى في مرحلة تأصيل هذا المدخل.
كما أن ترتيب المقاصد ورد بصورة مختلفة على غير ترتيب الغزالي، فمثلًا عند الزركشي: " النفس، ثم المال، ثم النسل، ثم الدين، ثم العقل ".
٢ - يرى بعضهم أن قضية الجهاد تُبَينِّ لنا أن الدين مُقَدَّم على النفس، إذ قد أودى بها في سبيله، مصداقًا لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) .
وللرد عليه نقول: أنا - كمسلم - لم أومر إطلاقًا بالتفريط في النفس من أجل الدين، ولكن أمرت بالمحافظة على النفس بأفعال قد تؤدي بي إلى إهلاكها عَرَضًا لا قصدًا.
ونحن نتكلم في المقاصد، لا في ما يتم من الأمور بالعَرَض.
ففي الجهاد: لم يأمرني ربي بأن أذهب فأقتل نفسي، بل أمرني أن أفعل فعلًا معينًا هذا الفعل أظن فيه السلامة، وإن كان فيه مظنة القتل، ومظنة ذهاب النفس، لكنه ليس قاطعًا في ذهابها، ومن هنا جاءت صيغ الحث على القتال في القرآن، أو المقاتلة.
وفي الجهاد أيضا: محافظة على النفس، والنفس هنا بمعنى (النفس الكلية) ، ولو ذهبت في سبيل ذلك النفس الجزئية.
بمعنى آخر: فإن الجهاد هو من قبيل تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، إذ