للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٥ - فأبو حنيفة ما كان يقدم القياس المستنبط عند تعارض الأوصاف وتصادم الأمارات على الحديث، فلم يكن يقدم مطلق القياس على خبر الآحاد، بل القياس القطعي، ويعد الخبر المخالف شاذًّا.

١٦ - وعلى هذا فأبو حنيفة يقبل أخبار الآحاد إذا لم تعارض قياسًا، كما يقبلها أيضًا إن عارضت قياسًا علته مستنبطة من أصل ظني، أو كان استنباطها ظنيًّا ولو من

أصل قطعي، أو كانت مستنبطة من أصل قطعي وكانت قطعية، ولكن تطيقها في الفرع ظني.

أما إذا عارض خبر الآحاد أصلًا عائًا من أصول الشرع ثبتت قطعيته،

وكان تطيقه على الفرع مطعيًّا فأبو حنيفة يضعف بذلك خبر الآحاد، وينفي نسبته إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ويحكم بالقاعدة العامة التي لا شبهة فيها.

١٧ - أما القياس: فإن مسلك أبي حنيفة في فهم النصوص كان يؤدي إلى الإكثار من القياس، إذ لا يكتفي بمعرفة ما تدل عليه من أحكام، بل يتعرف من الحوادث التي اقترنت بها وما ترمى إليه من إصلاح الناس، والأسباب الباعثة، والأوصاف التي تؤثر في الأحكام وعلى مقتضاها يستقيم القياس.

ْ١٨ - أما الاستحسان: فكما عرفه الكرخي: أن يعدل المجتهد عن أن يحكم في المسألة بمثل ما حكم به في نظائرها لوجه أقوى يقتضي العدول عن الأول.

فأساس الاستحسان أن يجيء الحكم مخالفًا قاعدة مطردة لأمر يجعل الخروج عن القاعدة أقرب إلى الشرع من الاستمساك بالقاعدة.

١٩ - أما العرف العام: فيرى الحنفية أنه حيث لا نص، فإن الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي، وأن الثابت بالعرف كالثابت بالنص، فحيث لم يجد في الفرع نص، ولم يمض له قياس ولا استحسان نظر إلى ما عليه تعامل الناس، ولهذا نجد مسائل كثيرة خالف فيها المتأخرون أبا حنيفة وأصحابه، لأن العرف تقاضاهم هذه المخالفة في الفرع.

* * *

[طبقات علماء الحنفية:]

قال الشيخ عبد الحي اللكنوي في النافع الكبير: " ثم إن علم إمامنا (يعني أبا حنيفة)

قد انتقل بواسطة تلامذته ومن بعدهم إلى بلاد شاسعة، وتفرقت فقهاء مذهبنا في مدن

واسعة، فمنهم أصحابنا المتقدمون في العراق، ومنهم مشايخ بلخ، ومشايخ خراسان،

<<  <   >  >>