للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقدمه على النص، وقد قال - رحمه الله -: "كذب واللَّه وافترى علينا من يقول إننا نقدم القياس على النص، وهل يحتاج بعد النص إلى القياس ".

٩ - والأحاديث المتواترة حجة عند أبي حنيفة، ولم يعرف عنه أنه أنكر خبرًا

متواترا، وأنى يكون ذلك، كما يعلم من خلال فروعه الفقهية أنه كان يرفع المشهور إلى مرتبة قريية من اليقين، حتى إنه يصل إلى درجة تخصيص القرآن الكريم، والزيادة به على أحكامه.

١٠ - كما يتبين من فروع الفقه المروية عن أبي حنيفة وأصوله أنه كان يأخذ

بأحاديث الآحاد، ويتخذ منها سنادًا لأقيسته وأصولها، ولقد كان أبو حنيفة وأصحابه يشترطون في الراوي ما اشترطه سائر الفقهاء والمحدثين من العدالة والضبط، ولكن الحنفية شددوا في تفسير معنى الضبط بأكثر مما شدد فيه غيرهم، نظرًا لكثرة الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكوفة، كما يقدمون رواية الفقيه على غير الفقيه عند التعارض.

١١ - وقد اختلف العلماء في حقيقة موقف أبي حنيفة إذا تعارض خبر الآحاد مع القياس، أيرد خبر الآحاد لمخالفته القياس، وتعتبر هذه المخالفة علة في الحديث، أم يقبل الحديث، ويهمل القياس؛ لأنه لا قياس مع النص؟.

١٢ - فعامة فقهاء الأثر لا يجعلون للرأي مجالًا عند وجود الحديث، ولو كان

آحادًا طالما كان صحيحًا، ولا يشترطون فقه الراوي، ولا موافقة القياس.

١٣ - أما الحنفية فيرون أنه لا يرد خبر الراوي غير الفقيه المخالف للقياس جملة، بل يجتهد المجتهد، فإن وجد له وجهًا من التخريج، بحيث لا ينسد فيه باب الرأي مطلقا قُبِلَ، بأن كان يخالف قياسا، ولكنه يوافق من بعض الوجوه قياسًا آخر، فلا يترك ذلك الخبر، بل يعمل به، وهذا معنى قولهم: لا يترك خبر الواحد العدل الضابط غير الفقيه

إلا للضرورة، بأن ينسد فيه باب الرأي من كل الوجوه.

١٤ - ولهذا نرى فروعًا كثيرة عن أبي حنيفة أخذ فيها بالحديث وترك القياس، وفروعًا أخرى أخذ فيها بالقياس وخالف خبرًا روى فيها رأى مخالفته للقواعد العامة.

<<  <   >  >>